يتأبط مذياعه الصغير.....ويجلس على رصيف الشارع يتأمل المارة بملابسه المهترئة بشعره الأشعث وذقنه الكث.....يوقف البعض منهم ليستجديه مالاً...فالبعض منهم يرق لحاله فيدس أصابعه في جيبه ويناوله ماجادت به اللحظة والبعض الآخر يمضي من أمامه لا يعيره اهتماماً أو يأبه له.....وعندما يشعر أنه ملّ مذياعه أو مسجلته الصغيرة.....يذهب ويلقي بهما في صهريج القرية(البركة) ظناً منه أن فعله هذا يرضي (الجني الأزرق) فيأخذ ماجمع من مال ٍ من المارة ويستبدل مافقده من بائع الإلكترونيات...وحين يفقد مايتسلىّ به كالمذياع أو المسجل .....يتحول ذلك (المجنون) إلى إذاعة متكاملة يجوب شوارع القرية وحاراتها....أحيانا ًبما يشبه كلام(الساسة)....ويتحول إلى محلل للقضايا السياسية وهو يوّجه هذيانه إلى (أوباما والحكّام العرب) .....وأحايين أخرى يدعو الله أن ينزل المطر ليشتري له مذياعا ً جديدا ً ويرميه بالصهريج ليرضي صديقه(الجني الأزرق)....وقد يستمر صراخه المرتفع حتى الرابعة فجرا ً فيأتي الصباح وذلك المجنون مفترشا ً الأرض وملتحفا ً السماء.....لم يذكره أحد من أهله إلا حين يهذي بأسماء نساء (العائلة) في شدّة حالات اللاوعي التي تنتابه....وخوفا ً من ظهور أسمائهن في شوارع القرية .....يأتون إليه ويسحبونه مكبلا ً بالأغلال ويعطونه مهدئات (منوّمات) ويهدأ لأيام ثم يعود لمأواه اليومي (رصيف) الشارع......!! ذلك المأوى الذي وجد فيه ملاذه وسلوته في كل وقت....ووجد نار ذلك الرصيف أرحم بكثير من جنة مجتمعٍ وضعه في منفىً أبدي...... فأي بشرٍ هؤلاء عندما يخافون من ذكر أسماء نسائهم ولا يخافون من ضياع رجلٍ ألقوا به إلى رصيف الشارع , تنهشُ جسده ذئابٌ بشرية باعت ضميرها (للشيطان).....؟؟!! تلك هي مأساة (مجنون القرية) ....وما ذلك المجنون إلا نموذج لكثيرٍ ممن ابتلاهم الله بفقدانِ نعمةِ العقل .....وظننتُ أن مثل هكذا حالاتٍ من الإهمال لا توجد إلا في الأرياف وأطراف القرى.....لكنني غيرتُ رأيي حين شاهدتُ تقريراً بثته إحدى الفضائياتِ المحلية وهي تسلط كاميراتها على (المجانين) في شوارع المدن الرئيسية وحينها أيقنتُ أن جميعهم يمضون إلى مصيرٍ مجهولٍ مجهول...!! إذاً أما آن الأوان أن تلتفت الجهاتِ المختصة في الدولة إلى هؤلاء البشر وتلملم ماتبّقى من إنسانيةِ الإنسان.....وإيجاد مصحاتٍ عقلية تهتم بهم......؟؟!! فكرة نتمنى أن تلاقي صدىً لدى الجهات المعنية ومنظمات حقوق الإنسان....وخاصةً وزيرة حقوق الإنسان التي نأمل ألا تمر عليها التناولة مرور الكرام......فالكثير من أولئك ( المجانين) الفاقدي أهلية التصرف وُجدوا على قارعةِ الرصيف وهم في أحوالٍ يرثى لها .....ولا يرتضيها عقلٌ ولا دين....وجدوا وقد وقعوا فريسةً سهلة بين مخالب فكيّ شياطين البشر وقد تعرضوا للإيذاءات الجسدية والجنسية......!! وأولئك المجانين ليسوا بحاجةٍ إلى شفقةٍ فقط ......بل هم بحاجةٍ إلى أماكن تحتويهم وتوفر لهم الأمان بعيداً عن العبث بكرامةِ الإنسان. تلويحة من أوراق الكاتب العالمي جون فليتشر (أولئك الذين يملكون القوة الأكبر لإيلامنا هم أولئك الذين نحبهم ). [email protected] رابط المقال على الفيس بوك