حاول الرئيس محمد مرسي أمس الأول “الأحد” أن يمتص توتر الشارع الحاد، بإصدار إعلان دستوري جديد، تضمنت المادة الأولى منه، إلغاء الإعلان السابق، والإبقاء على الآثار المترتبة، وأهمها قرار عزل النائب العام السابق عبدالمنعم محمود، وهو قرار يبدو في محل إجماع القوى السياسية المصرية. وبتراجع يحفظ للرئيس مرسي هيبته الرئاسية تضمن الإعلان السابق إبقاء الاستفتاء على الدستور في موعده المحدد (15ديسمبر الحالي) وفي حال عدم تمكن تعذر الحصول على موافقة الناخب المصري على الدستور الحالي، ينتخب الشعب مباشرة لجنة تأسيسية، مكونة من 100 عضو، لإعداد دستور آخر، خلال ستة أشهر من تشكيلها، وهو ما رفضته بعض قوى المعارضة، وأصرت على إسقاط كامل الإعلان الدستوري القديم والجديد، وهذا من وجهة نظر فقهاء القانون، وحكماء السياسة انتقاص لمقام رئيس الدولة، إذ من حقه إصدار إعلان دستور، طالما أن البلاد تسير بغير دستور حتى اللحظة. مآخذ بعض قوى المعارضة على الدستور الحالي أنه يؤسس لدولة “خلافة إسلامية”، ولا يبني “دولة مدنية”... وباستثناء المادة الرابعة من الدستور الحالي التي تنص على: “الرجوع إلى هيئة كبار علماء الشريعة لأخذ رأيهم في كل تشريع” فإن الدستور الراهن يتضمن نصوصاً أكثر تقدمية من دستور عهد مبارك، وبموجب المادة الرابعة لا أدري هل رأي علماء الشريعة ملزم أم لا. أما الإعلان السابق (صدر في 21 نوفمبر) فقد تضمن سبع مواد، يمكن توزيعها على ثلاثة أوجه؛ وجهان لاسترضاء الشارع المصري، وثالث هو ثمن ذلك الاسترضاء، فقد اشتمل الوجهين الأولين على اعتماد راتب لكل شهيد في ثورة يناير حتى وإن كان لديه راتب حكومي سابق، وإعادة محاكمة كل من تورط في إراقة دماء ثوار يناير، والثالث - وهو ما قصم ظهر البعير – تحصين قرارات الرئيس من أي نقض تصدره أي جهة قضائية، منذ توليه السلطة في 30 يونيو حتى إعداد دستور وانتخاب برلمان جديدين، وظاهر ذلك أن الرجل يريد سلطة لا يطالها القضاء، وحكم لا يجوز معه المراجعة، وهو ما أدى إلى انتفاضة شباب مصر وسياسييها، ضد قرارات “الزعيم” الجديد. وحاولت في ذلك تفهم دواعي إصدار مثل ذلك القرار، وظروفه، وملابساته، حتى ألتمس للرجل عذراً، فلا أحد منا مطلع، أو مقترب، مما يدور في القصر، وحوله، وقرارات بتلك الجرأة، وبهذا التوقيت، من المؤكد أن لها دوافع ودواعي استدعت القيام بخطوة استبقاقية، فقد كثر الحديث حول تحركات واسعة لمجلس القضاء لحل مجلس الشورى، وترويض قرارات الرئيس مرسي بأحكام قضائية، تعدل فيها، وتبطل منها. وفي عشية الأحد (25 نوفمبر) صدر عن الرئاسية المصرية مذكرة شارحة، لمغزى “التحصين” الذي أراده مرسي، وقالت المذكرة: إن التحصين سيكون في القرارات السيادية، ولمدة شهرين تستكمل فيهما اللجنة التأسيسية إعداد دستور جديد للبلاد، ومن ثم إجراء انتخابات برلمانية، وتعود بعدها السلطة التشريعية إلى الشعب، ممثلاً بنوابه. وما لبثت أزمة “الإعلان الدستوري” أن استعرت، واشتعلت، وتفرق الناس بين مؤيد في “عابدين” ومعارض في “التحرير”، وتكتلت النقابات المهنية، والنيابات والمحاكم، كلها في وجه “مرسي”، حتى كادت الفتنة الكبرى أن تكون على موعد مع مصر الثلاثاء الماضي، عبر مليونيتين متناقضتين، لولا تدخل حكيم من قادة حزب “العدالة والحرية” بإلغاء مليونيتهم، تحسباً لاصطدام قد يجرح مشاعر المواطن المصري. ويقف الشارع المصري اليوم الثلاثاء على قدميه بانتظار مآلات المليونيتين المؤيدة والمعارضة للإعلان الدستوري الجديد. [email protected] رابط المقال على الفيس بوك