منذ الثورة اليمنية مطلع ستينيات القرن المنصرم كنا ولا نزال – حتى الآن – نستحضر دروس وتجارب الثورة بكل مراراتها وتجلياتها، بل إننا في أحايين كثيرة نعيد استنساخ تلك المرارات ومنها - بالتأكيد – إعادة إنتاج الصراعات الدموية التي شهدتها الساحة اليمنية ، سواءً في الشمال بعد ثورة 26 سبتمبر أو في الجنوب بعد ثورة 14 أكتوبر أو- حتى – فيما بين الشطرين قبل قيام الجمهورية اليمنية في مايو 1990م حيث لم تفضِ تلك الصدامات إلى حسم لهذه القوى على تلك أو العكس ، وإنما كانت تفضي دوماً في نتيجتها الجلوس إلى طاولة الحوار بحثاً عن الصيغ المشتركة . وإذا كنا نبرر استفحال تلك الصدامات خلال الفترات الماضية جراء الصراعات الإقليمية والدولية على المنطقة ومنها اليمن أبان الحرب الباردة ،فإنه لا مبرر- راهناً – اعتبار هذا العامل جزءاً أساس من الإرهاصات التي تؤسس – كما يبدو – لحقبة جديدة من الاقتتال بين اليمنيين ، خاصة وأن مبادرة التسوية تحظى برعاية أممية غير مسبوقة إزاء كثير من بؤر التوتر في المنطقة .. وهو ما يتطلب من كافة الافرقاء على الساحة الوطنية التنبه إليه وأخذه بعين الاعتبار عند اتخاذ أي قرار يعمل على تعطيل مسار التسوية السياسية القائمة على الحوار الوطني الذي يجب على الأطراف المعنية – دون استثناء - التشبث به باعتباره الوسيلة الآمنة لإخراج الوطن من دوامة المراوحة بين الحل واللاحل ومخاطر ما قد تؤول إليه الأوضاع إذا ما لجأت بعض الأطراف إلى خيارات بديلة عن خيارات الحوار لفرض منطقها على الآخرين . ومع القناعة التامة بأن التسوية السلمية لكل مشاكل اليمن الراهنة .. لا أدري لماذا لا تقبل تلك الأطراف المترددة أو الرافضة لمبدأ التسوية في إطار الحوار طالما وأن هذا الحوار لا يضع شروطاً أو سقوفاً ، سواءً لآفاق وآليات هذا الحوار أو لجهة الموضوعات التي ستطرح أمام المتحاورين ؟ إذ ليس من بدائل آمنة غير ما هو متاح الآن بقناعات تامة من قبل الأطراف الداخلية أو من قبل القوى الإقليمية والدولية .. ولعل في طليعة ما هو متاح من آليات في إطار هذه التسوية ثمة مسلمات تتمثل فيما يلي : أولاً : منطق الثورة الذي فرضته ساحة التغيير ، سواءً في الجنوب عام 2007م أو في الشمال 2011 م وهي الثورة التي كانت سبباً رئيساً في هذا الانتقال السلمي للسلطة . ثانياً : ما جسدته المبادرة الخليجية والرعاية الأممية لتزمين مراحل الفترة الانتقالية استهدافاً لتطبيع الأوضاع وصولاً إلى الإنتخابات المقررة عام 2014م. ثالثاً : اختيار أدوات وآليات المرحلة الانتقالية والمتمثلة في إدارة الدولة خلال هذه الفترة القائمة على الشراكة الوطنية . رابعاً : وهي تلك المرحلة المرتبطة بالحوار الوطني الذي يتيح لكافة الأطراف والقوى السياسية للمشاركة الفاعلة بهدف صياغة عقد اجتماعي جديد يكفل حق المواطنة المتساوية . . وحسناً أن أنجزت اللجنة الفنية للحوار المهام والمسؤوليات المُناطة بها في إطار التهيئة لهذا الحوار الذي يعد المدخل الرئيس لحل مشكلات اليمن ، حيث لم يتبق غير إعلان صافرة البداية لإنطلاقة مارثون التسوية بعد أن تكون القوى الداخلية والخارجية قد قدمت لتلك الأطراف المتحفظة عن المشاركة المزيد من رسائل التطمين والثقة من خلال إصدار حزمة القرارات الرئاسية المتعلقة بالنقاط العشرين التي توصلت إليها اللجنة الفنية للحوار ذات الصلة بالحقوق والمظالم التي لحقت بالجنوب والشمال على حد سواء ، فضلاً عن إطلاق منظومة الإصلاحات الهيكلية في مؤسسات الدولة المختلفة وفق برامج زمنية واضحة .. وفي نفس الوقت لاتعيق أو تؤجل إنعقاد مؤتمر الحوار الوطني الشامل .. والخلاصة فإنه لاخيارات عند البحث عن بدائل ممكنة للتسوية غير خيارات الحوار . رابط المقال على الفيس بوك