يتعين على المؤتمر الشعبي والمتحالفين معه، مقاومة كل محاولات تجاوز المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية، وإذا افترضنا فشل هذه المقاومة، فحينئذ لا ينبغي أن يبني مواقفه وتصرفاته على مبادرة طوح بها الطرف الآخر، ولم تعد موجودة. الآلية التنفيذية للمبادرة، رسمت مخططا متكاملا ومزمنا للخروج من الأزمة، وكانت الأساس الذي بنيت عليه التسوية، وقد تعرض ويتعرض جسدها للنهش.. نهش في الرأس والقلب والوسط والأطراف، يكاد يجهز عليها نهائيا. وهذا النهش تقوم به قوى سياسية موقعة على هذه القاعدة، أي طرف أساسي، ويسهم في ذلك، أو يورط فيه، رئيس الجمهورية، من خلال قرارات جمهورية تتصادم مع المبادرة، ومنها القرار الأحول بزاوية انحراف 178 الذي صدر قبل أيام، ولم يلغه الرئيس رغم ما فيه من عيوب، والتذمر الواسع منه. وإذا كانت هذه الأطراف الناهشة قد اتفقت على تحويل مؤتمر الحوار الوطني إلى مكان تسبك فيه الخطط والصفقات الاستثنائية، وترتضي خيارات محددة سلفا أمام مخرجات الحوار، أو تجاوز بعض هذه المخرجات ببدائل تحددها هي.. وإذا كانت تنتزع من مؤتمر الحوار أفضل ما فيه وهو التوافق، وتجعله مظلة للتفاوض الثنائي بين الشمال والجنوب.. وإذا كانت هذه الأطراف تعمل من أجل تمديد الفترة الانتقالية، والتمديد للحكومة، والتمديد لمؤتمر الحوار، وإحلاله مكان مؤسسة تشريعية دستورية منتخبة وشرعية.. فإنها بذلك كله تكون قد أنهت أو ألغت المبادرة وآليتها التنفيذية، وبعلم رعاتها الإقليميين والدوليين والأمميين. وإذا وصل الحال إلى هذه النقطة الحرجة، ولم يبادر الرعاة الإقليميون والدوليون والأمميون إلى منع الطرف الآخر من نسف أساس اتفاق التسوية السياسية، فحسب المؤتمر والمتحالفين معه أنهم لم يشاركوا في النسف، أو الموت المحتمل للمبادرة وآليتها.. وبنسفها أو موتها على أيدي الطرف الآخر، لم يعد المؤتمر والمتحالفون معه طرفا في مبادرة لم تعد موجودة.. ولذلك لا شيء يحجزهم عن الانسحاب من الحكومة، والانسحاب من مؤتمر الحوار، كما لم يعد هناك ما يقيد حركتهم نحو التحول إلى معارضة وطنية صريحة. لا شيء في السلطة يغري المؤتمر والمتحالفين معه بالبقاء فيها، وبقاؤهم فيها في ظل هذه الأوضاع وزر عليهم، ومكانهم الصحيح اليوم هو وسط الجماهير التي تحتاجهم، فالشعب اليوم بلا صوت، ولا نصير، ولا قوى سياسية تدافع عن حقوقه، وتساعده على الخروج من هذه البيئة التي ازدهر فيها القلق والخوف والفقر والبطالة والتشظي والفتن الطائفية والمذهبية.