ساهمت سياسات الرئيس السابق علي عبدالله صالح، وخلال ثلاثة وثلاثين عاماً في صناعة الفقر في اليمن، ولذلك لا نستغرب عندما نشاهد بعض المواطنين اليمنيين يبحثون عن الطعام في براميل القمامة، فقد أصبح ذلك المشهد مألوفاً في شوارع المدن اليمنية، وذلك هو أعظم إنجاز حققه علي عبد الله صالح خلال فترة حكمه لليمن، بعد أن كان قد وصل متوسط دخل الفرد السنوي في نهاية السبعينيات من القرن الماضي إلى 700 دولار وهو اليوم لا يصل إلى 200 دولار. وكانت مصادر الأممالمتحدة قد أشارت إلى أن نسبة الفقر في اليمن وصلت إلى (81 %) من إجمالي السكان عام 2006، وهذا يعكس الوضع المأساوي الذي يعيشه حوالي (18,148,106) نسمة من إجمالي السكان البالغ عددهم (22,685,132) نسمة بنفس العام. والبطالة والفقر المتزايد جاء بسبب الفساد المريع الذي انتشر بشكل كبير ووصل إلى حد النهب المنظم لموارد الدولة وحرمان قطاعات واسعة من المجتمع. وبصورة عامة فإن واقع الأحوال الاجتماعية للسكان في اليمن، تزداد سوءاً وتخلفاً وفقراً وبطالة سنة بعد أخرى، ولا يوجد هناك ما يثبت صحة أكاذيب وتضليل البيانات الحكومية، التي لا تكف عن مزاعم منجزاتها العظيمة، بينما الحقائق الدامغة على التدهور المريع لأوضاع السكان يمكن قراءتها من أرقام التقارير التي تؤكد أن نسبة الأمية في المجتمع اليمن تصل إلى 49 %، وترتفع بين أوساط النساء الى 71 %. ومن المعلوم أن ما كان يعرف بجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية قبل الوحدة، كانت من ضمن الدول الرائدة في العالم التي حررت شعبها من الأمية عام 1985م، ولم تكن نسبة الأمية في الجنوب غداة إعلان الوحدة عام 1990 سوى 4 % فقط. وما هو أكثر خطورة وظروف مأساوية أن حوالي 42 % من إجمالي سكان اليمن لا يتمكنون من الحصول على كامل احتياجاتهم الغذائية وغير الغذائية، المتمثلة بالمأكل والملبس والمأوى والصحة والتعليم والنقل. ويشير تقرير لمنظمة اليونيسيف إلى مستوى الرعاية الاجتماعية المتدهورة ومدى الاستهتار الحكومي في تقديم الخدمات الطبية والرعاية الصحية للمرأة الأم والمواليد حديثي الولادة وللأطفال، فتشير البيانات إلى أن (18 %) من إجمالي المواليد يولدون في سن مبكرة بالنسبة للأم (أقل من 20) سنة، وهو الأمر الذي يؤدي إلى ارتفاع عدد المواليد من ناحية، إضافة إلى تزايد المخاطر الصحية على الأم والأسرة، خصوصاً وأن (65 % )من النساء الحوامل لا تتوفر لهن رعاية صحية. والمتتبع للأوضاع الاقتصادية في اليمن ولحياة اليمنيين وحراك الثروات والأموال بين أيديهم، سيجد بأن العاملين في حقل الاقتصاديات غير المشروعة والذي يشمل التهريب وأولئك الذين ينهبون أموال الدولة أو يختلسون الأموال العامة أو يتعاطون الرشاوى أو يعملون في تجارة الممنوعات أو يتاجرون بأراضي الدولة والأوقاف أو من يعملون بغسيل الأموال كالتجار الذين يتاجرون بأموال المسئولين المنهوبة من خزينة الدولة والبنوك العاملة في استثمار مدخراتهم غير المشروعة هم سادة المشهد الاقتصادي في اليمن، وهم اليوم الملتفون حول علي صالح وعصابته، ومستعدون أن يرتكبوا الجرائم من أجل بقائه وبقائهم. ويسود هذا النوع من الاقتصاديات قانون الغاب.. وقبل الولوج في تفاصيل الأنشطة الاقتصادية لهذا النوع من الاقتصاديات، لابد من تحديد جملة هذه النشاطات الاقتصادية داخل السوق اليمنية، حيث تشتمل على جانبين: سلعي وغير سلعي، ويبدأ الجانب السلعي من تجارة المخدرات وتجارة السلاح ونهب أموال المساعدات النقدية والعينية وكذا نهب أراضي الدولة وأراضي الأوقاف والمتاجرة بها. واقتصاد الظل السلعي في اليمن تصل أنشطته من 70 % إلى 80 % من حجم الاقتصاد الكلي، ويشمل كذلك تهريب وتجارة السلاح ومروراً بتهريب الملابس والأدوات المنزلية إلى أن يصل إلى تهريب الدواء وما ترتب ويترتب على تهريب الدواء من جرائم بحق المجتمع، حيث يصاب الآلاف سنوياً بأمراض وأعراض مرضية بعضها خطيرة تتسبب في وفاة الآلاف، من أبناء الشعب البسطاء نتيجة تناول هذا النوع من العلاجات المنتهية الصلاحية التي يتم التخلص منها في مزابل الدول الخليجية، وبعد ذلك يتم تجميعها وشحنها إلى السوق اليمنية بسبب قرب انتهاء صلاحيتها وغياب رقابة النظام الموروث من أيام علي عبدالله صالح في اليمن أو تواطؤه وتلقيه رشاوى، وكذا غياب المعايير والمقاييس لمختلف السلع في اليمن سواء كانت زراعية أو صناعية. أما الجانب غير السلعي في ظل الاقتصاد الذي ساد خلال فترة حكم علي صالح، فيتمثل في اختلاس الأموال العامة للدولة وتعاطي الرشاوى واستغلال المناصب العامة والوظيفة العامة للدولة والاستفادة منها وتوظيف الأقارب في أهم مفاصل الدولة المالية والإدارية وسيادة الفساد، بما في ذلك غسيل الأموال في البنوك والتجارة التي يمارسها المستثمرون الجدد والذين ليس لهم جذور في ممارسة العمل الاستثماري سواء في مجال التجارة أو تقديم بعض الخدمات كالاتصالات والسياحة وغيرها من الأنشطة الاستثمارية، بما فيها المتاجرة بأراضي الدولة والأوقاف. رابط المقال على الفيس بوك