نعتمد في مجتمعنا، وربما في كثير من مجتمعاتنا – غالباً – في تقييم أداء الآخرين والحكم عليهم أو على أدائهم من خلال الانطباعات الشخصية الجيدة أو السلبية عنهم، أو من خلال العلاقات الفردية أو القرابية. أو انطلاقاً من تمترسنا خلف بعض المواقف والمواقع الحزبية والسياسية الدوغماتية (الاستاتيكية أو الجامدة) المنغلقة التي لا تقبل التحول أو التبدل، أو اعتماداً على بعض الروايات الشخصية المتناقلة التي لا تخلو من تعصبٍ أو نفاق، أو من خلال تصديق بعض الشائعات الرائجة التي لا تقيم وزناً لمشاعر الناس أو لحساسية مواقعهم ومدى تأثرهم وتأثر علاقاتهم مع الناس بتلك الآراء والتقييمات الجزافية والشائعات الخرافية، وغيرها من الأساليب التقديرية التي يمكن أن تخطئ أو تصيب هدفها لصدورها عن بشرٍ يصيب ويخطئ. فيا ترى متى سيأتي اليوم الذي نقيم فيه الناس والمؤسسات في مجتمعنا من خلال وضع مؤشرات ومعايير كمية (مصفوفات زمنية ورقمية) لقياس الأداء والإنجاز أو لتقييم مستويات الفشل والإخفاق الحقيقي والواقعي؟! نقول ذلك، ونؤكد على أهميته في الوقت الراهن، حتى نكون منصفين وأمناء في إعطاء كل ذي حقٍ حقه، وعادلين في تقييم مستوى الإنجاز الذي حققه كل فردٍ في مجتمعنا وتقدير حجمه ونسبته، وخاصة لدى مقارنته بالمستوى المخطط له مسبقاً، لتحديد مقدار النجاح الذي أصابه و نسبة القصور أو الإخفاق الذي مني به أداؤه، وأسبابه، لا لشيء محدد، وإنما لشعورنا بأن أسوأ أنواع التقييم هو ذلك النوع الذي يعتمد على تعميم ما يقوله الآخرين – دون تمحيصه أو التحقق من صحته - للحكم على نجاح أو فشل هذا الشخص أو ذاك سواء أكان موظفاً حكومياً أو مواطناً عادياً في أداء ما أوكل إليه من مهام أو مسئوليات، والتغافل عن بعض الحقائق التي يمكن ملامستها أو مشاهدتها، وكذا، تجاهل الآثار والشواهد التي تبقى هي الحكم المحايد عن مستويات النجاح أو الفشل. وفي جميع الأحوال علينا تجنب إطلاق الأحكام المسبقة على الآخرين قبل التثبت من الحقيقة أو من الواقع، وخير لنا أن نحسن الظن بالآخرين ونتمهل قبل إصدار الأحكام عليهم سلباً أو إيجاباً، بدلاً من أن نتسرع فنخطئ في الحكم عليهم، لأننا قد لا نتمكن بعدها من رد الاعتبار لهم. ترى هل تعرفون ما الفرق أو الفروق بيننا وبين بعض شعوب الدنيا؟ وما الأسباب التي أدت إلى نهضتهم ونكوصنا؟ وما الأمور التي جمعتهم وفرقتنا؟ وما الأشياء التي تجاوزوها ولبثنا مختلفين حولها ردحاً طويلاً من الزمن دون حراك أو تقدم؟ قد تبدو لنا فروقاً بسيطة، لكنها جعلت البون شاسعاً بيننا وبينهم، وشقة المسافة والهوة الحضارية تتسع بين واقعنا وواقعهم، والفجوة تكبر بين حجم إنجازاتهم وإخفاقاتنا؛ إنهم يقولون للمحسن أحسنت وأصبت ويحاولون تعميم تجربته ليستفيد منها غير(ه) م، ويوفرون له جميع أسباب النجاح ليستمر في أداء عمله في أحسن الظروف، ويستفيدون من تجربته لتطوير أساليب الأداء وزيادة فعاليته؛ كما يقولون للمخطئ أخفقت، لكنهم لايتخذونها وسيلة لعقابه أو للسخرية والنكاية منه، وإنما يبحثون عن أسباب فشله ليتداركوها ويتجنبوها في خططهم وسياساتهم المقبلة، لكنهم لا يتركونه فريسة لليأس أو الإحباط أو نهباً للمتشفين والساخرين، بل أنهم يأخذون بيده ويقفون معه ويساندونه من أجل أن يتجاوز إخفاقه وفشله فينجح من جديد، وهم يرون أن كل فشل هو بداية جديدة لمشروع ناجح، وربما لنهضة جديدة، ... وهكذا. وقد أشار المفكر العربي المصري الأصل أحمد زويل إلى هذه الحقيقة بقوله: “ .. الغرب ليسوا عباقرة ونحن أغبياء !!، هم فقط يدعمون الفاشل حتى ينجح، ونحن نحارب الناجح حتى يفشل”، وهذه مفارقة عجيبة بحاجة إلى قراءة واعية ومتمهلة، لمقاربة ومقارنة وضعنا بوضعياتهم، ودراسة تجربتنا على ضوء تجاربهم بعيداً عن التماهي مع ثقافة الغرب أو الانجراف المبالغ فيه وراء كل ما يأتينا منه. وأهم من كل ذلك وُضعت عندهم مقاييس لحساب كل شيء، وترتيب الأولويات وجدولتها زمنياً، وطرحت البدائل بحسب الظروف والإمكانيات، وصممت لذات الغاية معايير مقبولة يمكن الاعتماد عليها لتقييم الأداء الإيجابي والجيد بموجبها، وهي ديناميكية ومتبدلة وقابلة للتعديل والتصحيح والتصويب على مر الأوقات، وقابلة للتطبيق والتكييف باختلاف الظروف والحالات والبيئات التي تطبق فيها، وهذا ما لا يتوفر لدينا، وإن توفرت لدينا بعض تلك المعايير أو المقاييس فإننا لا نطبقها في واقعنا إلا بنوعٍ من الانتقائية أو المزاجية، أو بقدرٍ من المحاباة أو المجاملة أو المساجلة أو المجادلة، لأن أهدافنا ليس التقييم بنية التقويم والإصلاح، وإنما تصيد الأخطاء وترصد الهفوات التي قد يقع فيها أي طرف آخر بينة المحاسبة والعقاب، وشتان ما بين الاثنين. ترى كيف سيكون حالنا وحال مجتمعنا إن طبقنا بعض تلك المعايير لتقييم الأداء في مختلف مناحي حياتنا، وإن استخدمنا بعض تلك المؤشرات بعد إعادة تكييفها مع حاجاتنا ومع واقعنا المحلي والوطني، ومع ظروفنا الراهنة ومواردنا المادية والبشرية، وإن قيمنا مستويات النجاح التي تحققت لنا ولمجتمعنا بواسطتها، وإن قمنا بتقييم أداء الأفراد والمؤسسات من خلالها، لا لنتخذها وسيلة للعقاب أو التشفي الفردي أو الجماعي، بل لنعيد تصحيح وتقويم تلك السياسات والبرامج حتى نضمن إعادة الأمور والسياسات إلى مسارها الآمن والصحيح، أما كان حال مجتمعنا سيكون أفضل؟ رابط المقال على الفيس بوك