“مراد” طالب في الصف الثاني قسم الإنجليزي، طفل لطيف ولكنه كثير الكذب على زملائه وكثيراً ما يبدأ في الشجار معهم ثم يشكو حاله للمعلمات والإداريات .. كانت والدته قد اتصلت بي تشكو أن معلمة العلوم قرصته في أذنه وتركت أثراً، طلبت من الأخصائية التحقيق في الموضوع والجلوس مع التلميذ ومعلمته، وبعد التحقيق اكتشفنا أن التلميذ يكذب ويبدو أنه يعاني من مشكلة ما، تواصلنا مع الأهل وأهمية حضورهم إلى المدرسة لنبدأ في فتح ملف للتلميذ كما هو متعارف عليه في المدرسة عندما نواجه سلوكاً من هذا النوع وبالتعاون مع البيت نستطيع أن نحدد سبب هذا السلوك وكيف نعالجه، فالطفل في هذا العمر“7سنوات” يلجأ إلى الكذب خوفاً من أمر ما أو أنه يعاني من إهمال فيحاول أن يثير اهتمام المحيطين به.. أخبرتني الأخصائية أن والدة مراد وخالته في الإدارة واستغربت فقد طلبت حضور الأب والأم فقط، إلا أني علمت أن والده مسافر. رحبت بهما وحاولت أن أبدأ في الكلام إلا أني فوجئت بخالة “مراد” تبادرني بعصبية وهي تلوح بيدها وغضب عارم يفوح من وراء نقابها قائلة : هذه مدرسة أم معسكر وسجن حرب؟! ترعبون الولد فيكذب ؟! ولدنا لا يكذب! انظري إلى معلماتكِ ماذا يفعلن !! هل تقارني بين طفل داخله صفحة بيضاء ومعلمات يفرغن عقدهن الاجتماعية والنفسية على أولادنا ؟! هذا الكلام غير مقبول وسنكسر يد أي معلمة تمد يدها على ولدنا !! تأملت خالة “ مراد” والدهشة تعلو ملامحي وقد عجزت محاولاتي لمناقشتها بهدوء هي وأم “ مراد” فقد بلغت عصبيتها حداً أسكتني، فمن عادتي أمام غضب مثل هذا أن أكون هادئة جداً حتى يُفرغ أمامي شحنات غضبه ، وأغلبها تنصب على المدرسة. وبدأت تعدد عدد المعلمات اللاتي يتعمدن ضرب “مراد” وأنا مذهولة أمامها معقول أن تتحول معلمات المدرسة بأكملها إلى مجموعة من معلمات هدفهن فقط اضطهاد تلميذ وضربه من قبل الجميع؟ حاولت تهدئتها وبدأت أشرح لها أن ابنها يعاني من مشكلة نفسية ولا يفهم أنه يكذب هو يريد أن تهتم له أمه لا سيما وهي حامل فقد يكون خائفاً من القادم الجديد، أو يعاني من غياب والده ، وإظهار الأم لمشاعر الغضب المبالغ فيه أمامه لا سيما وأن والدته تظهر هذا الاهتمام المبالغ فيه أمامه لتجعله يسعد نفسياً،وعدم وجود والده أيضًا يمثل حرماناً،وبدلاً من الصراخ لابد من مواجهة حالة “مراد” ومعالجتها لأنها ستتكرر. وخلال هذه الجلسة الحادة والتي تشهدها الإدارة لأول مرة دخل علينا “مراد” فجأة وتوجه مباشرة إلى والدته ليقول لها: “ماما.. أستاذة العربي قرصتني في يدي”ابتسمت وأنا أرى مراد يؤكد وجهة نظري وطلبت منه أن يخرج ليلعب في الحديقة والتفت إلى والدته وقلت لها:سيظل مراد يحاول إثارتك وسيلجأ إلى الكذب أكثر وأكثر لا سيما وأنكِ تشتمين وتنتقدين معلماته أمامه وأنتِ لا تعلمين أن المتضرر الوحيد هو “مراد” . لم أجد أي تفهم من ولية الأمر أمامي فخرجت قليلاً وتركتها لتهدأ وعندما دخلت وحاولت أن تبادرني بالحديث أوقفتها قائلة: يا أم مراد لابد أن تعترفي أن مراد يعاني من مشكلة وأغلب الأطفال في هذا العمر يعانون مثل هذه المشاكل ولابد أن تساعدينا لنساعدك بدورنا على معالجة “مراد”. وشيء آخر لن أسمح لأحد أن يهدد المعلمات فجميع طاقم التدريس اختير بعناية ويعرف واجباته أمام الله وأمامكم وإن أخطأنا في شيءٍ فإصلاح الخطأ واجب عليناولكن..لا فائدة أصرت على الصراخ وتقديم الإهانات للمعلمات ,هنا قمت واقفة، واعتذرت لها أكملت حواري معها،وغداً انتظر جد “مراد”في مكتبي نظراً لسفر والده لنحل مشكلة ابنها. فقد اتضح لي أن والدة “مراد” هي من تعاني من المشكلة ويبدو أننا سنعالج مشكلة مراد و...والدته. ودمتم .. [email protected]