بمعزل عن كل التداعيات السياسية والاختلالات الأمنية والاختناقات الاقتصادية التي انسحبت على العام 2012م جراء استفحال الأزمة إلا أن العام الجاري كان بمثابة فرصة لأن تعود النفوس إلى هدوئها والأوضاع إلى طبيعتها، فضلاً عن رفع أصابعنا عن الزناد , وكذلك إيقاف عجلة التدهور الشامل في سياقاته المختلفة ,حيث لا يستطيع أحد أن ينكر أن العام 2012م كان كذلك بداية النهاية لإخماد نيران المجابهة العسكرية ومنع لعلعة الرصاص وإيقاف نزف الجرح عندما كانت فوهات المدافع والرشاشات مصوبة ضد بعضها البعض وبالذات عندما تشرذمت المدن إلى مربعات انتشرت فيها الفوضى ودب في أرجائها الذعر وتخضبت الدماء بالأرض وتكومت الزبالة كالجبال وتعطلت لغة الحوار لتستبدل بلغة الموت واختفت مشاعر الحب لتزدهر أعشاب الحقد والخراب والدمار. لقد كان من تباشير انفراج الأزمة تلك الملحمة الرائعة عندما خرجت الملايين من اليمنيين إلى صناديق الاقتراع لانتخاب قيادة جديدة للبلاد وكأن كل يمني – وهو يحمل بطاقة الاقتراع – ذاهب إلى عرسه.. ثم توالت تباشير الانفراج رغم غبار الأزمة مع صدقية موقف الأشقاء في الخليج وجدية الاصطفاف الأممي مع اليمن ,حيث إن الجميع ألقى بثقله المادي واللوجستي إلى جانب هذا الشعب الذي كاد أن يفقد بوصلة النجاة وهو يتلمس وسط سراديب الأزمة عن مخارج السلامة والأمان.. حيث توالت مؤتمرات التمويل الإنمائي وتكاتفت الجهود في الوجهة التي وضعت خارطة طريق تتمثل مضامين المبادرة الخليجية المزمنة ، وقبل ذلك في التوافق الأممي الذي عكسته قرارات مجلس الأمن الدولي وغيرها من الفعاليات والتأكيدات الإقليمية والدولية المؤيدة والمباركة لخيارات اليمنيين وهم يجنحون إلى السلام وابتداع الحلول الممكنة وإعمال لغة العقل والحكمة وهم يرتضون التسوية السياسية السلمية بدلاً عن الذهاب إلى مربعات العنف وخنادق الاقتتال. ومهما قيل عن التحديات التي ما تزال قائمة فإنها لم ولن تكون بخطورة الأوضاع التي كادت اليمن أن تنزلق في أتونها قبل أن تلوح تباشير التسوية مع حلول العام الجاري , ومهما قيل – كذلك – عن بطء المعالجات لتداعيات الأزمة فإن ذلك لا ينفي جهود منظومة الحكم وتحديداً القيادة السياسية بزعامة الأخ الرئيس عبد ربه منصور هادي وهو يضطلع بهذه المسئولية التاريخية بكل حنكة واقتدار ومعه حكومة الوفاق الوطني والتفاف الجميع لتخطي الكثير من الألغام والعمل على تهيئة أرضية الملعب السياسي من جهة والقدرة أيضاً على استعادة الثقة الداخلية تدريجياً وضبط مفاتيح إيقاع التدهور الشامل من جهة أخرى, خاصة أن حزمة القرارات الهادفة تنفيذ مضامين المبادرة الخليجية قد ساهمت إلى حد كبير – أو هكذا ينظر إليها المراقب - في تهيئة المناخات الإيجابية للشروع في المرحلة الثانية من الفترة الانتقالية والقائمة أساساً على السعي الجاد والمثابر لتأمين كافة ضمانات مشاركة جميع الأطراف الدخول في عملية الحوار الوطني الذي يعول عليه كل أبناء الشعب اليمني في أن يكون المخرج الأمثل لكل ما يعتمل في الحياة السياسية من إرهاصات وتجاذبات. وعلى ذلك فإن العام 2012م كان بمثابة عام ميلاد جديد بالنسبة لليمنيين ولا ينكر هذه الحقيقة إلا من به صمم أو في قلبه شك أو من أصابته عمى الألوان أو أمراض الشيخوخة كالوهن والزاهيمر, ولربما تتبدى هذه الحقائق بصورة جلية مع مرور الوقت لاسترجاع ما مر بالذاكرة الوطنية خلال العام 2011م بكل مراراته وأحزانه. أما وقد كدنا نطوي آخر ورقة من رزنامة العام الميلادي الجاري فإن علينا واجب التذكير بأهمية العمل المثابر وعلى نفس الروح التواقة للتغيير بالاستفادة من كل الظروف والمناخات الملائمة والداعمة لمسارات الاستقرار والتنمية في ربوع وطننا الحبيب.. وهذا_ بالطبع _ يتطلب من جميع الفرقاء النأي بالوطن عن التجاذبات الحادة والخطيرة وبأن يتناسوا خلافات الماضي وأن ينظروا إلى المستقبل بتفاؤل وإيجابية.. واضعين مصلحة الوطن في أولوية المهام , فليس أفضل من أن يخلدك الوطن وتلهج بفضائلك الأجيال من أن يلعنك التاريخ وأنت تبحث عن دور خارج سياق الوفاق أو أن تحلق بعيداً عن السرب , وليكن عملنا - ونحن نودع عاماً ونستقبل آخر- قائماً على لغة الثقة والتسامح والشراكة والمسؤولية في أن نفتح صفحة جديدة تؤسس للمستقبل ولا تقف عند الماضي.. وكل عام والجميع بخير. رابط المقال على الفيس بوك