حلت الذكرى العاشرة لاغتيال الشهيد جارالله عمر,لتذكر اليمنيين مجدداً برجل الإجماع الوطني ورائد التسامح السياسي ,وحامل الفكر المتطلع للمستقبل المتجاوز للماضي. سيظل تاريخ 28 ديسمبر من كل عام حدثاً لا ينسى في الذاكرة الجمعية,يذّكر بخسارة رحيل قائد وطني,ويؤكد في نفس الوقت على عظمة المشروع الذي كان له دور كبير في تأسيسه وهندسة أهدافه وجمع مكوناته. لم يودع جارالله الدنيا الفانية كأي إنسان انقضى أجله دون أن يترك وراءه إرثاً سياسياً وفكريا ناضجاً غدا الحامل الرئيسي للمشروع الوطني فيما بعد. تجاوز الراحل الذي ولد في قرية « كهال » بمحافظة إب,بمشروعه الوطني تأليف الكتب إلى تأليف القلوب في بوتقة اللقاء المشترك,الذي صب فيه جميع الأفكار رغم اختلافها وتباينها في وعاء واحد,فكان له ما أراد ,وكان اللقاء المشترك,تجمعاً للمعارضة من ألوان ومذاهب شتى. لقد كان الشهيد أول من نادى وطالب بالتعددية السياسية والحزبية في اليمن عقب أحداث يناير 1986 الشهيرة بعدن,وتروي سيرة حياته انه شارك مشاركة فاعلة في التظاهرات الطلابية بصنعاء التي سبقت قيام ثورة 26 سبتمبر 1962، كما قاد مظاهرات جماهيرية تعميداً لانتصارات الثورة بعد قيامها. وسيذكر التاريخ في صفحاته انه كان من أبرز الشخصيات الحوارية التي حاولت منع قيام حرب صيف 1994, وبعد ذلك,لم يدخر جهدا في سبيل إنجاح الحوار مع الأحزاب السياسية من أجل ترسيخ العملية الديمقراطية وإزالة آثار الحرب. يخبرني والدي وهو مناضل في صفوف الجبهة القومية سابقاً , أن جارالله كان إنساناً بسيطاً متواضعا ومتدينا كونه ينتمي لأسرة ذات علم معروفة في أوساط مخلافنا « عمّار» الذي ننتمي إليه مع الشهيد,ولذلك فهو ينتمي إلى فئة نادرة من السياسيين, تشربوا الديمقراطية واعتنقوا التسامح السياسي,وخير شاهد على ذلك كتاباته النظرية وسلوكه اليومي. تقول سيرته الشخصية إنه حاز احترام وصداقة عدد كبير من المثقفين والأدباء العرب,عبر مشاركاته الفاعلة في الحوارات الفكرية التي كانت تدور على الساحة السياسية العربية,واستطاع بجدارة أن يمزج في كتاباته بين الثقافة الإسلامية المتسامحة التي امتلك ناصيتها خلال دراساته الأولى وبين الثقافة الديمقراطية المعاصرة فكان نعم المفكر المعاصر المتنور. اغتيل في 28 ديسمبر 2002م بعد أن تلقى رصاصتين في صدره أمام أكثر من 4000 شخص هم أعضاء وضيوف المؤتمر العام الثالث لحزب الإصلاح وأمام شاشات التلفزة ووسائل الإعلام المختلفة بعد دقائق من إلقائه لكلمة قوية نيابة عن الحزب الاشتراكي أمام المؤتمر العام. قبض على قاتله على الفور ,واعدم بعد سنوات,لكن الحقيقة ما تزال جنيناً في بطن الأيام القادمة. ترى ماذا خسرت البلاد برحيل جارالله؟سؤال ربما من الصعب الإجابة عليه,بيد أن المؤكد هو أن الرحيل كان حزيناً وقاسياً. رابط المقال على الفيس بوك