مر اليمنيون خلال السنتين الماضيتين بأسوأ مرحلة عاشوها على امتداد تاريخهم الطويل، تمثلتْ بالأزمة السياسية التي واكبتْ رياح التغيير، وما نتج عنها من آثارٍ سلبية استغل حاجتها الطامعون، لزيادة بسط نفوذهم وتآمرهم على شعبنا العظيم، وكل ذلك بفعل الحماقات والمكايدات ضد بعضنا، والتي خلفتْ صراعات اليوم كتركة آلت إلى شعبٍ يفتقر لأدنى مقومات العيش. اندمل بجرحها البسطاء، بعد أن غادرتهم أحلامهم إلى يأس لا يرون من خلاله وهجاً لأمل مشرق. غادرنا الأمان إلى خوف. وقوده المال وجماعات تحمل السلاح، وغزت عقولنا شريعة غاب وسائلها الحقد والكراهية، والبغظ، والتعصب، في زمنٍ رَحلت منه قيم التسامح والتصالح والمحبة والمودة. أصبحنا نعيش في وطننا غرباء بلا هوية، بلا أحلام، بلا ثقة، بلا مودة، نمتلك ذواتنا ولا نمتلك إرادتنا، نعيش في الباطل، ولا نستطيع أن نقول كلمة الحق، مع أن الصمت أمام تداعيات الأزمة وما خلفته تواطؤ مع الباطل ضد الحقيقة، وإن كان الصمت يعد الملاذ الآمن الذي يقف خلفه كل مواطن غلبان. لقد اختلت الموازين، وزادت حدة التوترات، وانقسم الناس داخل المجتمع إلى طوائف متعددة، وبأفكار مختلفة، يتربص كل طرف بالآخر وبدون هدف، المناكفات أصبحت لغة التخاطب، والتصنيفات ميزة للتعريف: بقايا نظام– مندس – حراكي – حوثي – إخواني ... إلخ، مع أن الجميع أبناء وطن واحد وربما يجمعهم أصل واحد. هذا ما أفرزته الأزمة السياسية في مجتمعنا اليمني المتلاحم، بعد أن أرادها الشباب ثورة تغيير ودفعوا دماءهم رخيصة من أجلها، واستغلها من ركبوا موجتها وحولوها من ثورة إلى أزمة، مع أن الأزمة ليست هدفاً للثورة ولا الثورة تنتهي بأزمة وصلح. لكني أراها حالة خاصة ليس لها سوابق في قاموس التاريخ، وحتى لا ينحاز التاريخ لطرف من الأطراف، عليه أن يسميها ثومة، ويعرفها ب« الثومة اليمنية»، كرمزية تاريخية لثورة انتهت بصلح، وليس هذا تهكماً، بقدر ما هو حقيقة وإرضاء لجميع الأطراف ف«الثو...»، بداية ثورة بدت ولم تكتمل و«...مة»، نهاية الأزمة التي وجدت ومازالتْ.. بالمقابل نرد الاعتبار للثومة اليمنية التي انقرضت من الأسواق المحلية، بعد أن حلتْ محلها الثومة الصينية: (وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نَصْبِرَ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ الأَرْضُ مِنْ بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُوا مِصْراً فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ). هذا هو حالنا الذي نعيشه، فهل يدرك جميعنا خطورة هذه الانقسامات على مستقبل أبنائنا وأجيالنا؟! أليس من الضروري اليوم أن نغادر هذه الحماقات ونتجه إلى حوار بناء نتسامح فيه ونتصالح ونسمو بأخلاقنا فوق كل الجراحات، ونعبر من خلاله إلى شاطئ الأمان، نتفرغ للبناء والتنمية والعمل كي نعيد لوطننا مجده وحضارته وأمنه واستقراره!.