تفيد معطيات المشهد السياسي المصري ، ان المبالغة بالخوف من حكم الاخوان المسلمين هو في الحقيقة ينم عن خوف من نجاح الاخوان في ادارة شؤون الحكم وليس خوفا من فشلهم كما يزعم البعض إذ تدعي القوى المتكالبة ضد الاخوان المسلمين إنها تخشى على مصر من فشل الاخوان في الحكم أو ان يودي حكمهم الى الاضرار بمصالح البلد . والحقيقة ان هذا الادعاء التبريري لايثبت سوى نقيضه ، فالخوف غير المبرر من حكم الاخوان في مصر وبقية الاقطار العربية هو خوف من نجاحهم في إدارة المشكلات السياسية والاقتصادية والتي استعصت حلولها على أنظمة الحكم السابقة خلال عقود من الزمن ،فقد انهك الباحثون أنفسهم بحثاً عن المشاكل الحقيقية في بلدان المنطقة العربية ،فوجدوا ان المشكلة الحاضنة لبقية المشاكل هي مشكلة ادارية وعليها تترتب بقية المشكلات . وعلى مدى أربعة عقود من الزمن وأنظمة الحكم العربية وبالاخص منها الانظمة العسكرية لاتنتج في مجال الادارة سوى الفشل الذريع . وإذا كانت الشعوب العربية قد تمكنت خلال عام 2011م،من إسقاط الانظمة الرئاسية العائلية في كل من تونس ومصر وليبيا واليمن من خلا ما يعرف بثورات الربيع العربي ، فإنها بهذا الفعل تكون قد ازاحت اكبر عائق أمام الاصلاح الاداري والمتمثل بسلطة الرئيس العسكري وافراد اسرته إلا ان إسقاط الرئيس وحده لا يمكن الاقطار العربية من إصلاح انظمتها الادارية التي عاث فيها الفساد ولاث فيها المفسدون على مدى اكثر من اربعة قرون من الزمن .. بل إن حاجيات الشعوب العربية لكي تبدأ مسيرة الإصلاح الإداري لابد أن تغادر أولا مرحلة الانظمة السابقة وتنتقل الى مرحلة جديدة ومغايرة . وعملية التحول التي نرومها جميعا في المنطقة لايمكن ان تتم الا عبر قوى سياسية متماسكة تنظيميا شريطة ان تكون هذه القوى قادرة على إحداث تغير حقيقي وتمتلك مشروعاً لإدارة عملية التغير والانتقال. وهذه العناصر لاتتوفر الا في حركة الإخوان المسلمين والممثلة في احزاب سياسية مواكبة لعملية التغير مثل ،حزب النهضة في تونس وحزب العدالة والتنمية في مصر وحزب التجمع اليمني للاصلاح في اليمن . ومن الحكمة أن ندرك جميعا أن الاخوان المسلمين حاليا هم القوى الوحيدة القادرة على انجاز عملية التغير بسلام ليس في مصر وحدها بل في كل البلدان العربية . والمحاولات البلهاء التي تهدف لإعاقة الاخوان والتي تقوم بها قوى ضعيفة وهشة هنا وهناك هي محاولات بائسة تهدف في حقيقة أمرها لإعاقة التغير برمته وتهدف لإعاقة التحول السياسي الذي تتصدر ريادته الحركات الاسلامية. صحيح أن الأحزاب الاسلامية مازالت عالقة ببعض الأخطاء ومازالت بعض الممارسات الحزبية تنتج اخطاء ،لكنها مقارنة ببقية الاحزاب هي أكثر القوى السياسية أهلية للتغير ,واكثرها قدرة على قيادة تحول سياسي للمجتمعات العربية من مرحلة الحكم العسكري الى مرحلة الديمقراطية والعدالة الاجتماعية. وبالتالي فان محاولة إعاقة هذه القوى هي محاولة متعمدة لإبقاء الشعوب العربية في مراحل أنظمة الحكم العسكري،حيث لايستطيع النظام الحاكم ان ينتج غير الفشل على مستوى الادارة والسياسة والاقتصاد .حتى إذا غيرنا نظام بنظام وبقينا نعمل عند شروط المرحلة السابقة فلا يمكن ان نحدث أي تغيرات على مستوى السياسات والتوجهات وإنما سيقتصر تغيرنا فقط على الاشخاص . فالتغيير الحقيقي يستدعي خوض تحول حقيقي من مرحلة الماضي الى مرحلة الحاضر باتجاه المستقبل . وهنا تكمن مخاوف بعض القوى السياسية المتحالفة ضد الاخوان ليس في مصر وحدها وإنما في مختلف البلدان العربية خصوصا في اليمن البلد الاكثر تاثرا بالحراك المصري والاكثر محاكاة له . فاذا نظرنا الى طبيعة القوى المتحالفة ضد الاخوان في كل من مصر واليمن سنجد انها تتكون من القوميين ويسارين ولبراليين بالاضافة الى كل المستفيدن من حقبة النظام السابق ،كما ان الهدف الوحيد الذي تسعى اليه هذه القوى هو التصدي للاحزاب الاسلامية وإعاقتها عن العمل . بمعنى اكثر وضوحا ان القوى المتكالبة بشراسة ضد الاخوان لاتمتلك اي مشروع وطني يتمحور حول مصلحة البلد ولايمتلكون اي حجج مقنعة تبرر تكالبهم العدائي ضد الاخوان المسلمين . ولو عدنا للبحث عن القواسم المشتركة بين القوى اليسارية والقومية من جهة وبينها وانظمة الحكم السابقة من جهة اخرى ،لوجدنا ان القاسم المشترك الوحيد فيما بينهم هو إنتاج الفشل الاداري الذريع على مدى نصف قرن من الزمن . وهذا مالا يستطيع احد انكاره ففي الوقت الذي كانت انظمة الحكم تنتج فيه الفشل في ادارة البلد كانت الحركات السياسية المعارضة من يسار وقوميين هي الاخرى تنتج الفشل في ادارة احزابها والفشل في ممارسة معارضتها لأنظمة الحكم . وفي نهاية المطاف وجدت الدولة العسكرية نفسها بعيدة عن واقع الناس وعاجزة عن حل مشاكلهم وبالمقابل وجدت الاحزاب الايدلوجية نفسها هي الاخرى بعيدة عن واقع الناس وغير قادرة على التأثير فيه . وبين الفريقين كانت حركة الاخوان المسلمين هي وحدها من تعمل في أوساط المجتمع بواقعية وتعمل وفق خطاب ايدلوجي لايتناقض مع ايدلوجية المجتمع الدينية والاجتماعية ،لذلك بقيت الحركات الاسلامية تنمو في أوساط المجتمعات وتتعلم من اخطاء غيرها . وعندما اندلعت ثورة الخامس والعشرين من يناير في ميدان التحرير في مصر العام الماضي لم يجد المجتمع المصري في اوساطه سوى حركة الاخوان المسلمين ،أما بقية القوى والاحزاب فكانت في اروقة القصور الرئاسية تتفاوض مع نظام مبارك وتحاول ان تمده بأسباب البقاء والاستمرارية لأنها تنتمي الى نفس المرحلة التي ينتمي اليها نظام مبارك . لذلك لاغرو ولاعجب ان نجد كل هذا التكالب العدائي الشرس ضد الاخوان المسلمين لأنه يعبر عن خوف من نجاح الاخوان وليس العكس. [email protected] رابط المقال على الفيس بوك