احتار علماء الموسيقى الفرنسيون وهم يتجشَّمون عناء تدوين الموسيقى الشرقية، فقد أوفد نابليون بونابرت كوكبة من العلماء الفرنسيين لتسجيل الشواهد الثقافية في مصر، وقد انعكس كل ذلك في الموسوعة الهامة التي دوَّنوها بعنوان (وصف مصر)، وفي هذه الموسوعة أجمع علماء الموسيقى على استحالة تدوين الموسيقى العربية، حتى إن البعض منهم لم يقتنع بكونها موسيقى إلا بعد أن تجلَّت لهم المنابع الثقافية لتلك الموسيقى، والتي تتلخَّص في ثابتٍ تصعب محاصرته سماعياً لأول وهلة، ومتغير مُتحرك يتَّسق مع الأداء الصوتي الفردي والجماعي من جهة، والعزف المفتوح على تقلبات مزاجية للعازفين من جهة أُخرى. والحاصل أن الموسيقى العربية الشرقية تتموْضع في أساس قالبه متحرك إلى مالا نهاية، تماماً كالخط العربي الذي يتحرك أُفقياً ودائرياً دونما إخلال بالجوهر الثابت. مما سبق أصل إلى استنتاج هام يتعلق بالممارسة السياسية في المنطقة العربية، بوصفها تابعة لهذه الثقافة، ولكن في بُعدها السلبي، ذلك أن ثنائية الظاهر والمستتر قيمةٌ عظيمةٌ عندما تكون مقرونة بالمتغير بوصفه التميمة السحرية للأداء والتطور، ولكنها تتحول إلى قيمة كابحة سالبة عندما يحتكرها “الإمام الصدر”، والرئيس الأبدي، وملك الملوك أجمعين. بعد هذا يحق لنا أن نتساءل: أين نقف من هذه المعادلة؟ هل نتمثَّل بُعدها الايجابي الرائي دوماً للمتغير بوصفه أصل هذه الثقافة وقلبها النابض؟ أم نقف عند تخوم الثابت القاصر، رافضين قانون التحول الموضوعي؟ أترك الإجابة لواسع نظر القارئ، وحسن فطنة العارف بأحوال العرب وتاريخهم الذي تتقاطع فيه سنة الرماح الضارية . قال المتنبي مُعبراً عن ذلك: كلما أنبت الزمان قناةً ركَّب المرء للقناةِ سنانا [email protected] رابط المقال على الفيس بوك