ما يحدث الآن في دول ثورة الربيع العربي يعد اختباراً حقيقياً ومعقداً لمدى قدرة القوى السياسية الثورية على الاستجابة للمطالب الجماهيرية العربية الحالمة بالتغيير السلمي لأنظمة الحكم الاستبدادية الفاسدة شكلاً ومضموناً , وكذا مدى قدرتها على استيعاب حجم التحولات السياسية المطلوبة التي تتوافق مع طموحات وآمال الشعوب في إطار البلدان التي شهدت ثورة الربيع العربي. حتى الآن لا تبدو تجربة الحكم التي أعقبت حكم الأنظمة الساقطة في دول الربيع العربي ,تجربة جيدة, مقارنة بما كان مطلوب تحقيقه خلال العامين الماضيين من عمر الثورة , كما ان مؤشرات وعوامل الاستقرار والطمأنينة التي أنتجتها هذه التجارب تعد ضئيلة جداً , اذا ما قارناها بمؤشرات وعوامل الفوضي والانهيار داخل المجتمعات العربية في بلدان ربيع الثورة . بالطبع ليست هذه دعوة للتشاؤم أو اليأس والإحباط , بقدر ما هي توصيف للواقع المعاش - أو بالأصح ما نشهده ونتابعه في واقع الحالة السياسية لدول ثورة الربيع العربي – وهو التوصيف الذي اعتقد أنه أقرب إلى الصواب مع الإقرار بأنه قد يحتمل الخطأ. لكن المهم هنا في هذا الأمر بالنسبة للمواطن البسيط هو مقدار ما تحقق على أرض الواقع من الإنجازات والاستحقاقات التي تتعلق بحياته المعيشية من الناحية الاقتصادية والاجتماعية والأمنية , كخلاصة أو كثمرة لعملية التغيير السلمي التي تمت قبل عامين ودفع الكثير من الناس ثمنها غالياً في سبيل إنجاحها , ليس بغرض الرغبة في التغيير السياسي فحسب ولكن أيضاً بغرض التغيير في مستوى معيشتهم وتحسين أوضاعهم الاقتصادية والأمنية وتطوير مجتمعهم وتحقيق النهضة والتقدم لبلدانهم على جميع المستويات والمجالات. نعم اعتقد أنها حقيقه علينا جميعاً أن نأخذها في الاعتبار وهي انه -- ليس كل من ثار أو شارك في الثورة ونزل إلى ساحات وميادين الحرية والتغيير أو دافع وناصر ودعم الثورة وقدم من أجل انتصارها دمه أو ماله أو جهده ,ليس من اجل ان يحصل على حقوقه السياسية في الحرية والديمقراطية وحسب , وإنما هناك أيضا حقوق أخرى كثيرة تعتبر من الأساسيات بالنسبة للغالبية العظمى من المواطنين في هذه الدول , وهذه الحقوق تتمثل في إحداث تغيير حقيقي في كافة المجالات والنواحي التي تتصل بالحياة المعيشية للإنسان كالأوضاع والظروف الاقتصادية والأمنية بدرجة رئيسية والأوضاع الصحية والتعليمية والخدمية والاجتماعية وغيرها من الأشياء التي تعيد للمواطن البسيط كرامته وعزته وإنسانيته – وقد صدق الزعيم الراحل الرئيس جمال عبدالناصر حين قال: لا حرية لجائع ولا كرامة لخائف. ما يجري اليوم في بعض دول الربيع العربي وخصوصاً في سوريا – مصر - اليمن، يثير القلق ويبعث الخوف في نفوسنا جميعاً ليس فقط على مستقبل الثورة وأهدافها بل وعلى مستقبلنا ومستقبل أوطاننا التي تتمزق وتتجزأ كل يوم وكل ساعة. وما يخيفني أنا تحديداً ويزيد من قلقي هو أن تتحول ثورة الربيع العربي والقوى الثورية - طبعاً بغير قصد أو بطرقية غير مقصودة – إلى جرح جديد في جسد الأمة يضاف إلى الجروح السابقة ,غير أنني ومن منطلق واجبي كفرد في المجتمع وكمواطن عادي يرى في ثورة الربيع العربي انتصاراً لأحلامه وأمانيه , وبداية جيدة لتحقيق حياة سعيدة وآمنة له ولأسرته ولمجتمعه ووطنه , من هذا المنطلق أتمنى ان يمثل هذا الكم الهائل من الخوف والقلق دافعاً حقيقياً لنا ولكل القوى الثورية، لكي نعمل على مراجعة حساباتنا وإعادة تقييم سياساتنا المتبعة وبما يكفل تبديد وإزالة كل التخوفات والمؤشرات السلبية , وتحويلها إلى مؤشرات وعوامل إيجابية تساعدنا في التقدم نحو الأمام وتحقيق إنجازات كبيرة وكثيرة في جميع المجالات والأصعدة. رابط المقال على الفيس بوك