الثورة الشعبية السلمية في اليمن أحدثت تحولاً جوهرياً واسعاً في وعي الناس، وربما التنظيمات السياسية والاجتماعية التي كانت جزاً من معمعات الواقع السياسي الجديد لا يهم أن يكون الناس قد خرجوا بوعي أو عفوية المهم أنهم خرجوا بطواعية ومن أول يوم يخرجون إلى الشارع رفعوا شعارات ثورية (أرحل، والشعب يريد إسقاط النظام، وبناء الدولة المدنية الديمقراطية، وغيرها من الشعارات التي دشنت عهداً جديداً، يقوم على حتمية التغيير وإنهاء المشروع التسلطي الذي ظل ممسكاً بتلابيب القوة، والإلقاء، وفي ظل هذا المناخ الظلامي والعبث السلطوي خرجت الأحزاب والتنظيمات السياسية والمنظمات الاجتماعية لتلحق بقواعدها وجماهير الشعب في الساحات رافق ذلك حراكاً سياسياً وثقافياً يدعو لوضع تصورات لرؤية استراتيجية مستقبلية للدولة المدنية الديمقراطية الحديثة التي صدحت بها حناجر العامة، وتردد الآفاق صداها وبحماس نادر أحدثت وعياً ثورياً أكسب القاعدة الشعبية وعياً استراتيجياً بطبيعة هذه الدولة. إلا أن تقاطع الثقافات واصطدامها مع بعضها أحدث ما يشبه الانكسار الذي ولد إحباطاً واستسلاماً واسعاً لدى الكثير من الثوار الذين سلموا بالفرضيات القائلة بأن الثورة فعلاً قد سرقت منهم وأن العبث والفوضى والانتهازية هي التي أصبحت تقود الثورة، وهذه الافتراضات ليست دقيقة. فالتغيير بدأ فعلاً وعجلة التغيير لا يمكن أن تعود الى الوراء ولكن هذا التغيير يسير ببطىء رغم أنه بدأ سريعاً وفاعلاً، ورافق ..العملية الثورية سلوكاً فوضوياً وبلطجياً من داخل المؤسسة الثورية ذاتها، في محاولة لاغتيال المشروع الوطني سيما من القوى الظلامية والفوضوية التي دأبت على اختطاف وسرقة أحلام الناس ومنجزاتهم وهذا السلوك أودى بالبعض إلى الاستسلام لهذا المشروع الثقافي المدمر وإلا بماذا تفسر المحاولات المتعددة لبعض القوى لتحويل الفعل الثوري إلى ما يشبه الظواهر الاحتجاجية التي تنتهي بعد بضعة ساعات ..ماذا يعني أن يواجه المعارضون والمختلفون مع هذا المشروع بالاعتداء والضرب وإحراق خيمهم واختطاف الثوار وقطع الغذاء عن الجميع بما فيها قطع الماء وإغلاق دورات المياه بل الاعتداء على البعض وإيداعهم زنازن خاصة وإخفاء البعض وتم أيضاً خلال المسيرة الثورية الاعتداء على النساء والصحفيين والنشطاء بصفة عامة وأخذ ما بحوزتهم من كايمرات نهاراً جهاراً غير آبهين بالمظاهر الاحتجاجية الأخرى. ورد فعل لمثل هذه الثقافة لا يكفي بالهمهمات والرفض وإنما يتطلب ذلك موقفاً ثورياً من مختلف قوى الثورة ثواراً من الرجال والنساء ..الشباب والكهول والشيوخ... أفراداً وأحزاباً فالناس لا يمكن أن يوافقوا على مشروع استبدادي بديلاً لمشروع استبدادي آخر. فالأحزاب التي اعتمدت في الماضي على جاذبيتها الأيديولوجية وخطابها الديني الرافض للاستعباد والاستبداد وتقديم المساعدات لبعض الشرائح الاجتماعية فشلت مؤخراً في تحقيق أهداف الثوار في إبقاء ثورتهم بعيدة عن التنافس والمزايدة الحزبية المقيدة فقد كشفت التجربة أن الرهان على التوسع في الشبكات الاجتماعية الخيرية لتقديم الخدمات للناس فشلت ، لأن ذلك استهدف فقط التأثير على بعض الدول والمؤسسات التي تقدم مساعدات كبيرة في هذا الاتجاه. هذا النمط من الأحزاب تحاول تقديم نفسها من خلال بعض المفاهيم الاجتماعية ولكنها أخفقت إلى حد كبير في امتلاك فلسفة اقتصادية واضحة، ولهذا ظلت توجيهاتهم في الإطار مجرد شعارات لم يتم ترجمتها إلى واقع حقيقي. هناك استثمارات اجتماعية يستفيد منها مجموعة من المستثمرين وهذه الاستثمارات تعود بالنفع لصالح النخب التي تخوض في هذا الإطار. بينما القاعدة الاجتماعية التي تعاني من الاستغلال والظلم تجد نفسها وقد أصبحت مجرد قوى هامشية أكثر معاناة من هذا الوضع المؤلم. والثورة تستطيع أن تستعيد عافيتها وألفتها وحيويتها عن طريق الرهان على الفعل الثوري والتصعيد الميداني اليومي، ولكن ينبغي أن يتم ذلك وفقاً لاستراتيجية ثورية نضالية جديدة تعتمد على الثوار أصحاب المصلحة الحقيقية في التغيير. وإذا راهنت الثورة على هذه العملية وتركت العمل السياسي للسياسيين وتحديداً الأحزاب والتنظيمات السياسية لتمكنت فعلاً من إحداث الفعل الثوري. وقد تمكنت بعض الأحزاب من جر الثوار إلى منازعات هم في غناء عنها، والمهم أن يشارك الجميع في الحوار الوطني وفق رؤية وطنية تفضي إلى قيام الدولة المدنية التي نريد ، فالمبادرة الخليجية التي جنبت اليمن الانزلاق نحو العنف هي أيضاً حصرت العملية الثورية في زاوية يمكن الخروج منها بالحوار الجاد والمسئول. ليس مهماً أن تظل الخيام في الساحات أو ترتفع المهم هو أن يظل الثوار في الساحات وأن يرفضوا الأوضاع القسرية والقهرية القائمة وإدارة البلد وفقاً لمبدأ التقاسم. نحن لسنا معنيون بالحوار بالشراكة مع من ساهموا في القتل والنهب ولكن ذلك يجري وفقاً لمبدأ المصالحة الوطنية والعدالة الانتقالية والثوار معنيون بدرجة أساسية بتحقيق أهداف الثورة والانتصار لها المهم في الأمر أن تتفق قوى الثورة في الميدان على إيجاد قيادة موحدة للثورة تعبر عن الثوار والتعدد الثقافي والفكري والاجتماعي في الواقع على أساس ثوري وليس حزبي تنظيمي لا يستطيع أحد أن يفرض أجندته الخاصة بعيداً عن قوى الثورة. أعجبني تعبير الزميل الجميل خالد عبدالفتاح القباطي الذي يؤكد مراراً على أهمية الالتقاء على مشروع وطني واحد ينبثق عن المشاريع المفروضة، وشبه البلد بالسوق الذي تعرض فيه آلاف البضائع والجمهور يقتني السلعة التي يريدها ويترك التىلا يريدها وكل واحد معني بعرض بضاعته بالطريقة التي يريدها ويعمل لها الدعاية التي يراها ممكنة لجذب الزبائن والبضاعة التي يتم حجبها وإخفائها أو إعدامها تظل مرغوبة لدى الغالبية. وهذا يعني أهمية أن نتحاور ونبحث عن المشروع الذي يمثل الأجماع الوطني أو القاسم المشترك بين الجميع والناس يبحثون عن الجودة في هذه البضاعة أو تلك وهكذا سيحدد المشروع الوطني الديمقراطي وإذا أجمعنا على مشروع واحد ليس بالضرورة أن يكون هناك إصلاحي أو حوثي أو حراكي أو دحباشي أو بُرغلي ..سيبقى هناك مشروع يمني وثورة يمنية تنشر الخير والعدالة والمساواة. أذاً العملية الديمقراطية الشعبية هي أساس لأي تحول اجتماعي واقتصادي وسياسي و إذا لم نمتلك الديمقراطية الحقة لا يمكن أن نمتلك رؤية للمستقبل والقوى الديمقراطية هي المؤهلة تاريخياً لقيادة العملية الثورية وإحداث التحول سيؤدي بالضرورة إلى إحداث اندماج اجتماعي سياسي سيؤدي إلى توفير فرص عمل للعاطلين وإحداث تنمية حقيقية تنهي ماسات المجتمع ومعاناته والثوار مطالبون بإعادة النظر في أسلوب عمل المكونات، فالثورة ينبغي أن تتوجه لإسقاط الفساد المتحوصل خلف الوظيفة مدعمة بقرار سياسي، وقد منحت المبادرة الخليجية حصانة من الملاحقة والمساءلة ومن استرداد الأموال المنهوبة والجماهير لا تزال أكثر قدرة وإصرار وتصميم على المضي قدماً صوب استكمال معركة التحرر من مخلفات الماضي. رابط المقال على الفيس بوك