عانى شعبنا اليمني على مدى الخمسين عاماً الماضية ومازال يعاني الكثير من الويلات والمآسي جراء التعبئة الحزبية الخاطئة التي تكرس ثقافة الأحقاد والضغائن والكراهية والتباغض وتخلق المشكلات والخلافات والصراعات وتؤجج نار الفتن وتكون نتائجها كارثية على الوطن والشعب. من المتعارف عليه أن الانتماء الحزبي يرتكز على القناعات الذاتية بأهداف وبرامج الأحزاب والتنظيمات السياسية ومن المتعارف عليه أن الأحزاب تتنافس على تقديم البرامج والرؤى حول مجمل القضايا التي تهم الوطن والمواطن السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتعليمية وتحقيق التنمية الشاملة التي تلبي آمال وطموحات كافة فئات الشعب وتتنافس على تبني قضايا وهموم المواطنين والمساهمة الفاعلة في دعم أي جهود أو أعمال تعود بالنفع على المجتمع سواءً التي تقوم بها الحكومة أو المؤسسات والجمعيات الخيرية والتنموية والاجتماعية أو الأشخاص في المجال الخدمي أو التنموي أو مكافحة الفقر والبطالة. من هذا المنطلق فإنه يتوجب على الأحزاب والتنظيمات السياسية في بلادنا أن تراجع سياساتها وبرامجها الحالية وتعمل على انتهاج سياسات حديثة تتواكب مع متغيرات العصر وخالية من مخلفات الماضي وتعقيداته وماخلفته الصراعات والخلافات على مدى الخمسين عاماً الماضية من أحقاد وآثار سلبية على مختلف الأوضاع السياسية والتنموية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتعليمية. من المؤسف أن الأحزاب والتنظيمات السياسية سواءً في مرحلة العمل الحزبي السري قبل إعادة وحدة الوطن في مايو 1990م أو فيما بعد إعادة الوحدة ظلت تكرس في صفوف منتسبيها ثقافة الحقد والكراهية للآخر ،فكل حزب يرى أنه وحده يمتلك الحقيقة دون غيره وأنه وحده صاحب المشروع الوطني القادر على تحقيق آمال وطموحات الجماهير.. وصدق الله العظيم القائل في محكم كتابه الكريم {كل حزب بما لديهم فرحون} وكان من نتائج تلك الثقافة غير السوية حدوث تلك الصراعات الدموية والحروب الطاحنة التي أزهقت فيها الأرواح البريئة وسفكت فيها الدماء الزكية ودمرت مقدرات الوطن وتسببت في إعاقة عجلة التنمية والتطور المنشود. ومن المؤسف أنه رغم كل الأحداث المؤسفة التي عانى منها شعبنا ووطننا اليمني على مدى الخمسين عاماً من عمر الثورة المباركة 26 سبتمبر و14 أكتوبر مازالت الكثير من الأحزاب والتنظيمات السياسية تكرس ثقافة الأحقاد والكراهية والبغضاء والانتقام في نفوس أعضائها ،وقد تجلى ذلك بصورة أكثر وضوحاً منذ اندلاع الأزمة السياسية مطلع العام 2011م ومازالت تتجسد في واقع الممارسة العملية حتى اليوم رغم ماحدث من وفاق وطني وتوافق سياسي بين طرفي الأزمة ، إلا أن الخطاب السياسي والإعلامي لبعض الأحزاب ما زال يتسم بنفس الحدة التي كان عليها في العام 2011م ومازالت خطب الجمعة في الساحات وما ينشر في الكثير من الصحف والمواقع الالكترونية من مقالات وأخبار وتصريحات تحرض على استمرار الفوضى «الخلاقة» وتكرس ثقافة الأحقاد والكراهية والانتقام.. فأي مستقبل جميل ننتظره ،وأي دولة مدنية حديثة نتحدث عنها، وأي مساواة وعدالة ومواطنة متساوية ننشدها في ظل استمرار الخطاب السياسي والإعلامي المأزوم وفي ظل استمرار التعبئة الحزبية الخاطئة وفي ظل استمرار التعبئة المذهبية والطائفية والمناطقية التي تكرس لثقافة الأحقاد والضغائن وتغرس روح الانتقام في النفوس وتؤجج الخلافات والصراعات وتشعل نار الفتنة بدلاً من تكريس ثقافة الوئام والسلام والمحبة والإخاء والتسامح بين أبناء الوطن اليمني الواحد..؟ إن الواجب الديني والوطني يحتم على قيادات الأحزاب والتنظيمات السياسية وكافة الأطراف المتصارعة سواءً باسم الوطن أو باسم الدين أن يراجعوا حساباتهم ويتقوا الله في وطنهم وشعبهم.. قال تعالى: {واعتصموا بحبل الله جميعاً ولاتفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداءً فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا وكنتم على شفى حفرة من النار فأنقذكم منها} صدق الله العظيم. رابط المقال على الفيس بوك