الموت مصيبة، هكذا قال عنه القرآن الكريم، مصيبة لما يحدثه في النفس من هلع ولما يتركه في الروح من غربة ولما يبقيه في العقل من ذكريات تغمرها الدهشة والغرابة والخوف من المجهول، فما بالنا حين يحدث الموت في أجواءٍ صاخبة ومروعة ومدمرة للإنسان والبيئة المحيطة به سواءً كانت زرعاً أو ضرعاً، صخراً أو رملاً، ماءً أو تراباً.. ما بالنا حين تشاء الأقدار أن يحدث الموت على أيدي تتفنن في سحق الأنسانية وإلغاء معالم البشرية تحت مظلة العظمة والذات المتعالية والأناء المتغطرسة والإحساس بلإمتياز، ما بالنا حين يجدث الموت كأبشع ما يكون واسوأ ما يمكن وأقسى ما يوصف في سوريا يحدث استنزاف للجنس البشري ومحاولة لإلغاء المعالم الإنسانية التي أرادت أن تعيش بعيداً عن سلطة النظام فكان الموت جزاءها الرادع، لكنه لم يكن موتاً هادئاً واحتضاراً هانئاً، بل كان لسطوة الظلم والجبروت والبطش فيه رأيٌ آخر لأنه كان موتاً بطيئاً تفتت في رسم ملامحه البشاعة على وجوه البشر أيادٍ مأجورة لا يمكن أن يتخيل قذارة نواياها عقل بشر. يصبح الموت مصيبة ومصاباً حين لا يأتي على فراش ولا يحدث بين يدي قريب يلقن الشهادة أو طبيب يجتهد في تخفيف سكراته حتى وإن كان للموت سكرات لا تداويها عقاقير الدنيا لكنه وعلى هذه الشاكلة أو تلك يحدث دون أن يشوش على المحتضر بأصوات ومناظر تحكي تفاصيلها أشلاء ودماء وتشرد وضياع وبردٌ قارس واحشاء خاوية من دفء الزاد، موت يحدث جملةً ليحصد الأرواح كما يحصد الزرع عند التمام حتى ترحل أسرةٌ تتلوها أسرة ويصبح للموت قوافل تعجز أن تحملها أكتاف الرجال. أهوال الحرب لا يمكن أن يصفها قلم أو تحكي تفاصيلها قصة لأن ما تراه العين وما يسكن الذاكرة تعجز الكلمات عن تصويره أو تسليط الضوء على زواياه المظلمة... يحدث الموت في سوريا حتى يصل مداه ولعل ساعة من الوقت سجلت موت شهيد وأكثر ليفوق عدد الموتى في كل يوم عدد ساعات الليل والنهار وفي اجواء مشحونةٌ بالرعب والذعر وما لا يمكن تصوره من المشاعر، يحدث الموت في سوريا بهذه الشاكلة وعلى هذا النحو كأعظم ما تكون المصيبة وأسوأ ما يكون المصاب، ثم نجد الإعلام البار الذي سرق قلوب الناس واغتال مشاعر الرحمة منهم يتحدث عن (مصيبة راشد الماجد) التي صورها الإعلان عن ألبومه الغنائي في أحداث تسونامية تصور غضب الطبيعة تترجمها كلمات وجمل شعرية تبدأ ب( مصيبة لا رحل عني مصيبة...) هذه هي مصيبة راشد الماجد ومصيبة الإعلام العربي ومصيبة الثقافة العربية ومصيبة الأنظمة التي سرقت اهتمام الشباب وسواهم ممن لا يحمل رسالة الوطن أثناء فترة الربيع العربي لتعرض برامجها الغنائية بمنتهى اللامبالاة ولتفتح باب التصويت وكأنها تفتح أبواب الحب والسلام إعادة بناء الثقة بين شباب الأمة.. فرق كبير بين مصيبة راشد الماجد وبين مصيبة الموت الذي يعاني سكراته السوريون كل ثانية وكل لحظة مع اعتذاري الشديد عن ذكر ذلك فلم أعتد قبل اليوم أن يكون لقلمي رغبة للتلويح باسم أو صفة لكنها الحقيقة وكان لابد من قولها مهما كان ذلك صعباً ومريراً على النفس. رابط المقال على الفيس بوك