مواطنون يعثرون على جثة مواطن قتيلا في إب بظروف غامضة    اليونيسيف: إسرائيل تمنع وصول اللقاحات وحليب الأطفال الى غزة    توتر عسكري بين العمالقة ودرع الوطن العليمية بسبب شحنة أسلحة مهربة    لملس يبحث مع وفد حكومي هولندي سبل تطوير مؤسسة مياه عدن    وقفتان في الجوف وفاء للشهداء وإعلاناً للجهوزية والنفير العام    استمرار اعتصام الجرحى العسكريين في مدينة مأرب    رئيس انتقالي أبين يلتقي قائد حزام زنجبار لمناقشة الأوضاع الأمنية بالمديرية    الحرارة المحسوسة تلامس الصفر المئوي والأرصاد يحذر من برودة شديدة على المرتفعات ويتوقع أمطاراً على أجزاء من 5 محافظات    الحديدة أولا    انجاز 75% من جسر شارع سقطرى بصنعاء    الاتصالات تنفي شائعات مصادرة أرصدة المشتركين    رئيس بوروندي يستقبل قادة الرياضة الأفريقية    استبعاد لامين جمال من منتخب إسبانيا بعد اعلان برشلونة اصابته    مصر تخنق إثيوبيا دبلوماسياً من بوابة جيبوتي    أوقاف وإرشاد الحديدة تنظّم ندوة ثقافية إحياءً للذكرى السنوية للشهيد    الذهب يحلق والنفط يتراجع... تباين في أداء أسواق السلع العالمية    الشاذلي يبحث عن شخصية داعمة لرئاسة نادي الشعلة    مليشيا الحوثي الإرهابية تقتحم مقر هيئة طبية دولية بصنعاء وتحتجز موظفيها    جولف السعودية تفتح آفاقاً جديدة لتمكين المرأة في الرياضة والإعلام ببطولة أرامكو – شينزن    القبض على المتهمين بقتل القباطي في تعز    صلح قبلي ينهي قضية قتل بين آل سرحان وأهالي قرية الزور بمديرية الحداء    حكاية وادي زبيد (2): الأربعين المَطّارة ونظام "المِدَد" الأعرق    لصوصية طيران اليمنية.. استنزاف دماء المغتربين (وثيقة)    ريال مدريد يقرر بيع فينيسيوس جونيور    نائب وزير الشباب والرياضة يطلع على الترتيبات النهائية لانطلاق بطولة 30 نوفمبر للاتحاد العام لالتقاط الاوتاد على كأس الشهيد الغماري    إحباط عملية أوكرانية-بريطانية لاختطاف مقاتلة روسية من طراز «ميغ-31»    بدء الاقتراع في سادس انتخابات برلمانية بالعراق    لماذا يحتضن الجنوب شرعية شرعية احتلال    قيمة الجواسيس والعملاء وعقوبتهم في قوانين الأرض والسماء    قوة "حماية الشركات"... انتقائية التفعيل تخدم "صفقات الظلام" وتُغيب العدالة!    البروفيسور الترب يحضر مناقشة رسالة الماجستير للدارس مصطفى محمود    عدن في قلب وذكريات الملكة إليزابيث الثانية: زيارة خلدتها الذاكرة البريطانية والعربية    الدراما السورية في «حظيرة» تركي آل الشيخ    5 عناصر تعزّز المناعة في الشتاء!    صنعاء.. تعمّيم بإعادة التعامل مع شبكة تحويلات مالية بعد 3 أيام من إيقافها    الجدران تعرف أسماءنا    قراءة تحليلية لنص "خصي العقول" ل"أحمد سيف حاشد"    قرارات حوثية تدمر التعليم.. استبعاد أكثر من ألف معلم من كشوفات نصف الراتب بالحديدة    أبين.. حادث سير مروع في طريق العرقوب    وزارة الخدمة المدنية توقف مرتبات المتخلفين عن إجراءات المطابقة وتدعو لتصحيح الأوضاع    الأرصاد يتوقع أجواء باردة إلى شديدة البرودة على المرتفعات    تسعة جرحى في حادث مروع بطريق عرقوب شقرة.. فواجع متكررة على الطريق القاتل    عالم أزهري يحذر: الطلاق ب"الفرانكو" غير معترف به شرعا    سؤال المعنى ...سؤال الحياة    بوادر معركة إيرادات بين حكومة بن بريك والسلطة المحلية بالمهرة    الدوري الايطالي: الانتر يضرب لاتسيو في ميلانو ويتصدر الترتيب برفقة روما    الدوري الاسباني: برشلونة يعود من ملعب سلتا فيغو بانتصار كبير ويقلص الفارق مع ريال مدريد    الشهادة .. بين التقديس الإنساني والمفهوم القرآني    تيجان المجد    ثقافة الاستعلاء .. مهوى السقوط..!!    الزعوري: العلاقات اليمنية السعودية تتجاوز حدود الجغرافيا والدين واللغة لتصل إلى درجة النسيج الاجتماعي الواحد    قراءة تحليلية لنص "مفارقات" ل"أحمد سيف حاشد"    كم خطوة تحتاج يوميا لتؤخر شيخوخة دماغك؟    مأرب.. فعالية توعوية بمناسبة الأسبوع العالمي للسلامة الدوائية    مأرب.. تسجيل 61 حالة وفاة وإصابة بمرض الدفتيريا منذ بداية العام    كما تدين تدان .. في الخير قبل الشر    الزكاة تدشن تحصيل وصرف زكاة الحبوب في جبل المحويت    "جنوب يتناحر.. بعد أن كان جسداً واحداً"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التعليم تخلف في الأسلوب وجمود في الوسائل
نشر في الجمهورية يوم 18 - 02 - 2013


22
التعليم ومخرجاته هي بيت القصيد وسر كل الأسرار، وهو الحاضر وهو المستقبل، فهل رأينا حضارة أو نهضة قامت على وجه الأرض في أي مكان بالجهل أو بالأمية؟ أو رأينا رسالة سماوية أو تقدماً علمياً حازه مجتمع ما؛ بغير العلم والتنوير؟ لقد تعلمنا من كلام الله عن مهمة الرسالة السماوية لمحمد رسول الله كغيره من الأنبياء والرسل السابقين: (ويعلمهم الكتاب والحكمة) حتى قال نبي الله (إنما بعثت معلماً).
والعلم هو الكنز المباح المشاع بين الناس، ينال منه كل من طلبه ما يشاء، وينمو ويزداد ويبقى كلما أنفقت منه، بينما المال ينتهي ويفنى بإنفاقه، كانت رسالة التنوير والتثقيف تشع في مصر من (الكُتَّاب) بضم الكاف وتشديد التاء ومن (المعلامة) في اليمن، وهي المكان الذي يمثل رؤية واضحة عن مستقبل الطفل الطالب منذ الصغر ويحدد كونه إما متعلماً أو جاهلاً، وكان المعلم في الكتاب أو المعلامة هو الأسطورة الكبرى في حياة الطالب، هو القدوة الحسنة التي يجب أن تتصف بصفات الأدب والأخلاق، والتهذيب والصبر، والأخلاق الفاضلة، وكان التأدب في مقامه والاحترام في حضرته مقدماً على الأب والأم، وكان هو المبجل الذي كبرنا ونحن نعيش ونتخيل شخصيته وهيئته وتصرفاته، هيئة خالدة في الذاكرة حتى اليوم.. وقد أحسن الأمير شوقي في تعليل التأدب له حين قال:
قم للمعلم وفّه التبجيلا
كاد المعلم أن يكون رسولا
أعلمت أشرف أو أجل من الذي
يبني وينشئ أنفساً وعقولا
سبحانك اللهم خير معلم
علمت بالقلم القرون الأولى
لقد كان خريج تلك المدارس القديمة يتقن عدداً من الفنون والعلوم قبل بلوغ العاشرة، ومن أولوياتها حفظ القرآن الكريم عن ظهر قلب، وجوهرة الآداب التي تعلم الطفل علم السلوك مع نفسه وربه وأبويه وأهله وجيرانه وأساتذته وزملائه والمجتمع وسلوك آداب الحياة بأسرها، ثم حفظ مختارات دواوين شعرية فصيحة، لتنمية الذوق الفني والإيقاعي وإتقان الكتابة والخطوط، ومعرفة الحساب والرياضيات، والتدرب على المعاجم والقواميس وجواهر البيان والمعاني والبلاغة، والتدوين كل ذلك بقلم اليراع المنحوت من شجر القصب، وكان الطالب حاضر الذهن، يستطيع حل كافة المسائل الرياضية بسرعة فائقة، ولا يحتاج غالباً إلى قلم؛ لذلك سميت بالرياضيات؛ لأنها رياضة العقل، ناهيك عن قواعد النحو والفقه وعلم المواريث، ولو استقبلت من أمري ما استدبرت ما بارحت رباط السيد الإدريسي والسيد البطاح في مدينة زبيد، وبسقوط عرش (الكتاب) وتلك (المعلامة) سقطت دولة أقلام اليراع والألواح، واستولت على عرشها الآلات الحاسبة الإلكترونية، والأقلام الذهبية، سقطت معها هيبة المعلم واحترامه، وانتهى عصر الاهتمام به، وفقد الطالب القدوة الحسنة، والتلقي المساعد على الحفظ، حتى أصبح المعلم من أفقر الناس وأكثرهم تحملاً لهموم العيش والفقروسوء المعاش، وانتهت دولة الأستاذ المعلم تحت وطأة المدارس الحديثة، ذات الكراسي الخشبية الناعمة، بدلاً عن افتراش الأرض، وانتهى عصر الألواح بعصر السبورات والطباشير، وبدأ عصر الشهادات الورقية المجردة عن اختبارات المواهب والكفاءة والنبوغ والتفوق.
ولقد أضحك وأبكى الشاعر الفلسطيني إبراهيم طوقان - رحمه الله - حين عارض الأمير شوقي يوم عيد المعلم فقال:
شوقي يقول وما درى بمصيبتي
قم للمعلم وفه التبجيلا
ويكاد يقتلني الأمير بقوله
كاد المعلم أن يكون رسولا
لو مارس التعليم (شوقي) ساعة
لقضى الحياة وساوساً وخمولا
إلى أن قال شاكياً قلة المعاش:
لا تعجبوا إن صحت يوماً صيحة
وسقطت ما بين البنوك قتيلا
يا من يريد الانتحار وجدته
إن المعلم لا يعيش طويلا
وعندما تغيرت قواعد التوظيف في عالمنا العربي من اختبار الكفاءات والمواهب والقدرات؛ إلى الاكتفاء بمجرد حمل الشهادات المدرسية والجامعية، ولو كانت (مضروبة) والتي كثيراً ما يسهل الحصول عليها في ظل التخلي عن الأمانة، والتسيب والانفلات وفي ظل إسناد الأمر إلى غير أهله، واستباحة الرشاوى والنفعية والفساد، أصبح سهلاً أن يحمل من له مال أو وساطة أو سلطة عامة، على أعلى الشهادات في أهم التخصصات، له ولمن يلونه، وقد يصبح مدرساً وهو لم يدرس إلا محو الأمية، أو يصبح مديراً أو وزيراً بمؤهل الوهم.
وفي عصر الانتكاسة لرسالة المعلم وفقده مكانته أصبح مضرب الأمثال للطرائف الهازئة الساخرة؛ فقد أصبح كل تلميذ يحفظ من الطرائف الساخرة بأستاذه ما يكفي لعدم الثقة بما يقول، ولإسقاط هيئة الاحترام عنه، مثل حكايات يتناقلها التلاميذ والمدرسون من باب التندر والتسلية دون أن يدركوا قيمتها وخطرها في قتل الأسوة والقدوة: دخل الأستاذ يوماً على التلاميذ ووقف يكتب على السبورة وبنطاله مقطوع في مؤخرته، فقال للتلاميذ: اعربوا هذه الجملة: (نحترم الأستاذ) فما محل كلمة الأستاذ من الإعراب؟ فيجيبه الطلاب منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخرك!!. وليس غريباً أن نرى من يتولى وزارة، أو رئاسة دولة، أو قيادة محافظة، بينما مؤهله الوحيد أنه مغامر كبير، أو لاعتبارات قبلية أو مناطقية أو لقرابة أو حزبية. !
كم هو محزن وأي حزن أن نرى الكفاءات والتخصصات من القدرات النادرة يتلوون في أبواب المكاتب، والشركات الأهلية والسفارات والقنصليات، باحثين عن عقود عمل في أي مجال كان، بينما أماكنهم الحقيقية شاغرة في أوطانهم، ولكنها محتلة، نعم محتلة بأولئك الذين حملهم الحظ فقط؛ لاحتلال وظائف الكفاءات.
ورحم الله الأستاذ حسن علي جابر عفيف الذي كان حسن الخط لدرجة مفرطة، ولكنه كان عديم الحظ، كان مدرساً في الحديدة، في عصر شخصية قبلية يمنية بارزة قوية كانت تشغل يومها منصب محافظ الحديدة، وإليه تنسب نهضة المدينة وذروة نهضتها خلال السبعينيات، لكن حظه في الخط لا يكاد يقرأ، فكان يؤثر عن الأستاذ عفيف قوله: إن حظي كخط المحافظ، وحظ المحافظ مثل خطي.
لا تحسبن أن حسن الخط ينفعني
خذ ما أردت بحرف الحاء والظاء
بل إنما أنا محتاج لواحدة
لنقل نقطة حرف الخاء للطاء
في إحدى رحلاتي لأداء العمرة، وجدت في صالة المغادرة أحد زملاء دراستي، وهو مبتسم متهلل الوجه؛ لأنه يغادر وطنه حاملاً (فيزة) للعمل خارج البلد، وكما عرفته في الكلية كان نابغة من النوابغ، يكتب المئات من الصفحات بقلمه، ويدون كل شاردة وواردة، بل ويحفظ القواعد والشواهد لنفسه ولغيره، ويتولى الكتابة على السبورة الخضراء نيابة عن أساتذته؛ لأنه كان حسن الخط بكل قواعده، تساءلت معه: هل أنت معار للتدريس؟ فضحك حتى قهقه، وقال: يا دكتور أنا معار للتكنيس، ثم ابتلع ريقه بمرارة، تجرعتها معه قائلاً: لقد فزت بشراء فيزا عمل بثلاثة عشر ألف ريال سعودي، بهذه الصفة وأطلعني على جوازه، وإذا بالفيزا مكتوب عليها المهنة عامل نظافة. استغربت كيف؟ فأي عدمية تربوية وعدمية وعي، في حين الوظائف يوزعها الحاكم ضمن الكوتات الحزبية لمن يريد.
وإذا المعلم ساء لحظ بصيرة
جاءت على يده البصائر حولا
رابط المقال على الفيس بوك


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.