كادت أن تكون ثورة، لو قدر لها أن تتطور، ولكانت أغنتنا عن ثورات أخرى واحتجاجات في أقاصي الشمال وجنوبه .. وكان لها أن تحتوي إرهاب القاعدة، وما يشهده البلد من فلتان أمني، كونها تخريجات للفقر وتدني مستويات المعيشة، فاللامركزية الإدارية التي بدأ العمل بها منذ 12 عاما ، لم يقدر لها أن تنمو وتتطور، إذ لم تعدُ نظرة النظام السابق إليها إلا كمنفذ لاستدرار دعم المانحين، فيما حافظ على نهج طالما درج عليه من مركزية شديدة، لا تنفك حاضرة بقوة. الآن، وبعد الحركات الاحتجاجية، والأحداث التي شهدها العام 2011م، وبعد كل التغيرات على الواقع السياسي، يبدو أن الواقع يوشك أن يتجاوز تجربة اللامركزية الإدارية، بعدما ارتفع سقف المطالب ليصل حد الدعوة للانفصال، لتصبح الفيدرالية (اللامركزية السياسية)، أهون الأمرين، كونها البديل الممكن لتلافي المحذور. مع هكذا تغيرات، طبيعي أن تتجه الأنظار إلى تعديل السياسات العامة والأطر التشريعية والقانونية المتصلة بالنظام الإداري المحلي، لتتواءم والمتغيرات السياسية والاجتماعية.. وحسنا فعلت وزارة الإدارة المحلية، إذ تعكف حاليا على تأهيل كوادرها على كيفية صياغة السياسات والتشريعات القانونية لتتلاءم مع ما سيترشح عنه مؤتمر الحوار الوطني، سواء تم الأخذ باللامركزية السياسية (الفيدرالية)، أو جرى تطوير اللامركزية الإدارية ..ولها أن تستعين في تعزيز قدرات منتسبيها بخبرات وكوادر محلية وعالمية، للخروج بأفضل الممارسات الدولية وتكييفها وفق خصوصيات البيئة المحلية اليمنية.. إلا أن كل ذاك ربما كان عبثا وغير ذات جدوى، لارتباطه بعديد محددات، ينبغي لها أن تكون في الاعتبار.. فالتشريعات والأطر القانونية لا تعمل في الفراغ، هي بحاجة إلى بيئة ملائمة ومتوافقة لتطبيقها. الأستاذ / أمين محمد المقطري، وكيل وزارة الإدارة المحلية لقطاع الخطط والموازنات، قال ما معناه “ كل ذلك غير مجدٍ إن لم تتوافر للوحدات الإدارية (محافظات ومديريات) موارد مالية كافية للقيام بأعباء التنمية”... وهي إفادة لها أهميتها ليس فقط لأنها صادرة عن أبرز مهندسي تجربة اللامركزية في اليمن، المشهود لهم بالكفاءة والدراية، إنما أيضا لأنه يشخص أبرز عثرات تجربة اللامركزية الإدارية إلى جانب عدم توافر إرادة سياسية فيما مضى للعمل بها .. المقطري أضاف، وكان ضمن ثلة مختارة تولت إعداد مشروع قانون السلطة المحلية أن الحال ربما استدعى إلغاء مسميات وتقسيمات إدارية كالمحافظات فيما لو جرى الأخذ بنظام الفيدرالية ليقتصر الأمر على الأقاليم والمديريات.. وهنا مكمن الاختلالات، فالتقسيم الإداري للمحافظات والمديريات لم يراع الشروط العلمية الموضوعية ، فهو لم يكن تقسيماً إداريا بل سياسيا بامتياز، لا غرض له غير ديمومة استمرار النظام السياسي الحاكم سابقاً.. فيما تقليص ودمج الوحدات الإدارية، من شأنه تقليص النفقات التشغيلية والرأسمالية لها، وتوفير موارد للبرنامج الاستثماري التنموي. الخارطة الإدارية الحالية، تحوي (33) مديرية و (21) محافظة، أغلبها سيما المديريات، لا تتوافر على وعاء ضريبي كاف للقيام بمهام البرنامج الاستثماري التنموي، ما يضاعف الحاجة إلى دمجها وتقليص عددها، وإعادة التقسيم الإداري، ليلبي متطلبات التنمية المحلية.. والأمر ليس حصرا على المديريات التي جرى مضاعفة أعدادها لا لشيء إلا لتوفير مناصب إدارية لمراكز وقوى النفوذ، بل فبعض المحافظات لا تتوافر على هكذا موارد.. وفي السياق يحضرني، حديث لمحافظ إحدى المحافظات المستحدثة بقرار ومزاج سياسي، على قناة فضائية يمنية، من أن إيرادات محافظته لا تتجاوز المليون ريال شهريا، في أحسن الأحوال، على حين أن بعض مديرياتها ، لا تورد غير (1500) ريال... المحافظ يدعو كحل للإشكالية، أن يكون لمحافظته المتناثرة مناطقها على جبال شاهقة متناثرة، منفذ على البحر ...!! كيما تتوافر على وعاء ضريبي ينتشل المحافظة من حالة التردي والجمود، وهو على أي حال يقدم مثالا صارخا على عبثية ومزاجية التقسيم الإداري الحالي، الذي يبتعد عن مستلزمات التنمية بمسافات ضوئية... وبغض النظر عن مخرجات الحوار الوطني سواء ترشح عنه لا مركزية سياسية أو جرى تعزيز اللامركزية الإدارية الحالية، فلا أمل أن تحقق شيئا.. وتعثر تجربة اللامركزية الإدارية يعطي مؤشرا بالغ الدلالة، إن لم يجر إعادة النظر في التقسيم الإداري الحالي، وفق شروط علمية، تكفل لوحدات إدارية موارد مالية كافية.. لضخها في برنامج استثماري تنموي، يعمل على التخفيف من الفقر وتحسين مستويات المعيشة. [email protected] رابط المقال على الفيس بوك