الدستور ملزم للجميع، ولأنه كذلك، ينبغي لنصوصه الدقة والوضوح سيما في القضايا الأساسية والمصيرية .. تلافيا لتفسيرات متعارضة، كثيرا ما تؤدي إلى تفاقم الاختلالات عوضا عن معالجتها، تماما كحال اللامركزية الإدارية الآن. لا الحيز المتاح ل (اللامركزية) في نصوص الدستور الحالي، يتلاءم مع أهميتها، ولا الوضوح كان سمتها، بل كان التعرض لها بكثير إبهام وغموض، جرى تبريره بحجج تتناهى ومقولة (الشيطان يكمن في التفاصيل)، باعتبار هكذا قضايا غالبا ما تكون محل نزاع، لا تشهد اتفاقا سريعا حولها، فيما الواقع يقتضي تسريع إخراج الدستور، لتجاوز الفترة الانتقالية التي أعقبت قيام الوحدة العام 1990م.. ومبررات كهذه رغم معقوليتها إلا أنها لم تقم بأكثر من ترحيل للمشكلة، لنشهد مضاعفاتها لاحقا بكثافة شديدة، في تنازع الاختصاصات والسلطات بين الأجهزة المركزية والمحلية...وحملت معها بذور استمرار أكثر من 80 تشريعا متعارضا مع قانون السلطة المحلية ..والأخطر أن سمة المعقولية لهكذا حججاً، كانت كستار دخان، حجبت حقيقة عدم توافر إرادة سياسية آنذاك لتطوير اللامركزية، فيما أصبح التقسيم الإداري بذاته معيقا للتنمية لا دافعا لها... وجميعها محددات أنتجت دعما فائقا لتعطيل نظام اللامركزية الإدارية وأصابته بجمود قاتل، ما يحتم تجاوزها في مشروع الدستور الجديد . فسواء ترشح عن مؤتمر الحوار الأخذ بنظام اللامركزية السياسية (الفيدرالية) أو الاستمرار في اللامركزية الإدارية يستوجب الأمر أن يرسم الدستور الجديد حدودا واضحة للسلطات والصلاحيات على المستويين المركزي والمحلي، والموارد المالية لهما، مع التنويه أن اغلب دساتير العالم تضع قائمة بسلطات الحكومة المركزية / الاتحادية، ومواردها المالية تاركة تفصيل صلاحيات وموارد الحكومات المحلية أو الوحدات الإدارية لتشريعات لاحقة.. وكثيرا ما تنص الدساتير على وجوب إنشاء آليات للتنسيق على المستوى المركزي تضم ممثلين عن الأقاليم سيما فيما يتصل بالصلاحيات والموارد المشتركة. الجانب المهم في اللامركزية ليس فقط الصلاحيات والموارد إنما التقسيم الإداري للبلاد، ومستويات الحكومة، أكانت أقاليم أو وحدات إدارية أدنى ( محافظات ومديريات ).. وللحقيقة، فالدستور الحالي يلزم بأن لا يتم التقسيم الإداري إلا بقانون، ورغم تعاقب السنين إلا أنه لم ير النور مطلقا، ما يؤشر إلى خلل في النص الدستوري لعدم تحديده سقف زمني لإنجاز القانون، ما أتاح للقيادة السياسية حينها توسل نصوص الدستور المبهمة، للتنصل عن التزاماتها، لتصبح الأبواب مشرعة أمام استحداثات لمحافظات ومديريات لأغراض سياسية أعاقت التنمية، بدلا عن خدمة مساراتها .. الشاهد، أن حججاً من قبيل ضرورة تسريع إنجاز الدستور لتجاوز المرحلة، كما حدث مع دستور الوحدة، لا ينبغي اتخاذها ذريعة لاعتساف نصوصه، فشيء من التفصيل والتحديد مطلوب، وقضاء أيام وأسابيع في التحديد الدقيق للصلاحيات، ستوفر قطعا ضياع سنوات قادمة في التنازع على الاختصاصات والصلاحيات وعند إعداد القوانين والتشريعات اللاحقة....فالشيطان لا يكمن دائما في التفاصيل، بل في المناطق المعتمة، حيث الظلام غطاء أمثل للشر. [email protected] رابط المقال على الفيس بوك