في معمعة الأحداث وأسئلة المصير انبثق “أمل” وبدا ضوء في النفق بفعل الحكماء والعقلاء وبمساندة ومؤازرة من شركاء الجغرافيا وإخوة الأرومة في دول الخليج ومن شركاء السلام الدوليين أنجلت عن “تصورات” وعن “رؤى” وعن تفاهمات تخلقت وصيغت ودعمت لتكون المبادرة الخليجية وتبعتها الآلية التنفيذية لتكلل بقبول مؤكد من مختلف الأطراف بعد أن أشبعت دراسة وتعزّزت بإضافات وتعديل وموافقات حتى وصلت إلى ما وصلت إليه من صيغة نهائية جرى رعايتها ودعمها، وتحولت بفعل الدعم الخليجي والدعم الدولي إلى وثيقة دولية، كانت الدليل النظري والمرجعية التي اجتمعت من أجلها كل الأطراف.. واعتبرتها وثيقة تاريخية لها سمة الحياة التي يجب أن تترجم إلى أعمال وإلى خطوات وإلى إجراءات. وها نحن اليوم نترجم صميم روحها ومضامينها بتدشين مؤتمر الحوار الوطني؛ إذ لا مناص من تنفيذ كل بنودها بنداً بنداً؛ لأن التوقف عن الترجمة الواقعية للتسوية السياسية التي كانت عنوانها وأساسها المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية يعني العودة إلى مربعات الفوضى، ويعني الانزلاق إلى كارثة جديدة من الاقتتال والاحتراب وإلقاء اليمن بكافة مكوناتها المجتمعية إلى التهلكة وإلى موت محقّق، وإدخال البلاد في نفق صراعات مميتة لا نهاية ولا مقدرة لأحد من أطراف الصراع على كسب الرهان؛ لأن رهان الموت والفوضى رهان خاسر بكل المعايير الوطنية والدولية. وها نحن نقف اليوم هذا الموقف الجليل المهيب بعد أن انحسرت الأصوات الناعقة بالخراب والموت والدمار، نقف وفي قلوبنا أمل، وفي وجداننا تفاؤل وثقة أن مخرجات طاولة الحوار كفيلة أن تزيح أشياءً غير مرغوبة، وركاماً غير مرحّب به من الاحتقانات ومن سوء الفهم ومن غياب الإدراك الحقيقي للقضايا والأزمات التي تعصف بالوطن، وأن نتفق على الممكن فيه، وعلى تفكيك المفاهيم الخاطئة والممارسات اللا منضبطة والأفكار المسبقة المرتهنة إلى التَشّدد وإلى الاستحواذ والاستئثار. بناء الدولة المدنية الحديثة هي البوابة التي يخرج منها الوطن إلى آفاق السلام والاستقرار والنهوض، وحل القضية الجنوبية هو حجر الزاوية في هذا الحوار، وأعتقد أن ثمة ترابطاً جدلياً بين هذين العنوانين اللذين يشكلان جوهر المعادلة الوطنية الكبرى. سيكون هذا إنجازاً تاريخياً للحكماء والعقلاء. [email protected] رابط المقال على الفيس بوك