الإصرار غير المبرر لا يحقق نتيجة لصاحبه بقدر ما يؤكد على العنت والصلف وعدم الرغبة في احترام الآخر، وهو ما يدفع باتجاه مؤشرات عديدة عن ذلك الإصرار المخل بمفاهيم الحياة الإنسانية القابلة للأخذ والعطاء التي يسودها الرغبة المطلقة في التعايش، لأن التعنت والصلف لا يظهر إلا لدى الجماعات العدوانية غير الراغبة في الشراكة الحقيقية في الحياة والتي لا ترى في الوجود غيرها، وما عداها من البشر لا قيمة لهم في نظر تلك الجماعات. إن الحياة السياسية الإنسانية تفرض على الإنسان أن يكون مرناً متعاوناً قابلاً لبني جنسه بل ومكملاً لبعضه البعض، وهذا ما عرفناه عن الحياة السياسية منذ فجر التاريخ الإنساني، وما ظهر متصلف أو متعجرف إلا وكان منبوذاً عن بني جنسه، ولذلك فإن الحياة السياسية الإنسانية قائمة على الحوار وآدابه وأبعاده، والسياسة هي إدراك فن الممكن والغباء في السياسة الإصرار على حقي « وإلا الديك» وهذا منطق العاجز الذي لا يمتلك طموحاً ولا يرغب في حياة الجماعات البشرية القادرة على الاندماج والتآلف أو الحاقد بطبعه والأناني الذي لا يعرف غير ذاته. نصادف كثيراً في حياتنا صنفاً متصلفاً في الحياة السياسية لا يعترف إلا برأيه الذي يقوده دائماً إلى التخلف والمتاعب الدائمة ويجلب له الهم الدائم والعذابات المتلاحقة نتيجة لرفضه القبول باحترام مفهوم الحياة الإنسانية، وإصراره على العزلة والانفراد، لم يدرك أنه بات اليوم من المستحيل الانفراد والعزلة، لأن وسائل الحياة لم تعد تلك البدائية مطلقاً، بل شهدت تطوراً مذهلاً، وهذا التطور أحياناً يشكل على الإنسان خطراً ماحقاً إذا لم يكن في تكتل قوي قادر على حماية ذاته ومقدراته، ويجعل الجماعات المتباعدة والمتفرقة عرضة للانتهاكات بكل أشكالها. إننا اليوم في عصر التكتلات القوية القادرة على تجميع عناصر قوتها وتطويرها وتحديثها في سبيل تأمين بقائها واستمرارها، أما الجنوح للتشظي والانشطارات فذلك هو الصلف والعنت الذي لا يعبر عن الخير العام بقدر ما يعبر عن الضياع واتباع هوى الشيطان، ويدل على الأنانية والحقد على الجنس البشري والعنصرية التي رفضها الإسلام وكل الشرائع السماوية والأعراف والقانونين الدولية، وهنا دعوة لكل من لديه نوع من هذا الصلف من أجل العودة إلى جادة الصواب وتحقيق الخير العام للناس كافة بإذن الله.