ضمن أجندة فريق الهيئات ذات الاستقلالية والقضايا الخاصة في مؤتمر الحوار الوطني الشامل التحاور حول إمكانية جعل وزارة الخدمة المدنية هيئة مستقلة ماليا وإدارياً، وقد استضاف الفريق في هذا الجانب في يوم الأحد الماضي 28 /4 /2013 كل من وزير الخدمة المدنية وأحد أعضاء مجلس النواب، الموظف قبل ذلك في الخدمة المدنية. وإذا جئنا إلى دور هذه الوزارة في فشل العملية الإدارية للدولة وبالتالي مسببات ثورة 2011 لوجدنا أن لروتينها اللامعقول وسكوتها عن جرائم التوظيف غير القانوني الذي بدوره يحرم الكثيرين من فرص العمل للمستحقين دور كبير في ازدياد الضغط النفسي والاحتقان الشعبي الكبير الذي ولد الثورة الشبابية الشعبية، فمن خلال معايشتنا لسير أعمال هذه الوزارة التي ليس لها أي اختصاص ظاهرياً سوى إصدار فتاوى توظيف أو ترقية القوى العاملة في القطاع العام المدني نجد أن أخطاءها المجحفة بحق الشعب أصبحت واضحة للعيان ومن تلك الأخطاء ما يلي: • انشغال الوزارة بتغيير مصفوفة الدرجات الوظيفية وتغيير نظامها من وقت لآخر فقد كانت تعتمد نظام سلم الدرجات الثلاث عشرة حتى سنة 1986 وهي السنة التي حول سلم الدرجات إلى نظام المجموعات الأربع، ثم إضافة مجموعة خامسة، وما كادت الوزارة تنتهي من عملية نقل الموظفين من سلم الدرجات إلى سلم المجموعات ومن ثم دمج موظفي الشمال والجنوب حتى عادت في سنة 2005 لتشكل اللجان للعودة إلى حيث كانت بسلم الدرجات. وعملية النقل المكررة تربك سير العمل داخل الوزارة وتغير وتبدل في حقوق الموظفين المالية بظلم الكثير منهم ومنح الآخرين أكثر مما يجب. • لقد نفذت وزارة الخدمة المدنية مشروع كشف الازدواج الوظيفي، وتحولت بموجبه مليارات الدولارات من خزينة الدولة وخزائن المنظمات الدولية إلى خزائن من نفذوا المشروع، في شكل بدل جلسات وتغذية وقيمة أجهزة لم تعد صالحة بعد انتهاء فترة العمل، والكل يعلم أنه كان على رأس هذا المشروع الوزير الحالي، والمشكلة أن الوزارة لما انتهت من عملها لم تجرؤ أن تكشف أسماء المزدوجين الذين يصلون إلى مئات الآلاف. وبالتالي فإن ذلك المشروع كان عبئا إضافيا على خزينة الدولة ومورداً من موارد الفساد المالي والإداري. • جمدت الوزارة العمل بقانون الخدمة المدنية وحل محله المزاج الشخصي أو محاضر اللجنة الفنية، فالذي يعلمه جميع الموظفين أنه من بعد إقرار قانون استراتيجية الأجور والمرتبات في سنة 2005 والذي كان يهدف من خلال ثلاث مراحل سنوية إلى الوصول إلى المرتب الكافي لمعيشة الموظف خلال الثلاث السنوات اللاحقة لصدور القانون، والذي لن يقل في سنة 2008 عما يعادل 500 دولار لأدنى درجة وظيفية إن هذا القانون لم ينفذ تنفيذاً كاملاً حتى الآن، وعندما نأتي إلى الواقع نجد أن ظلم الموظف ازداد من خلال ارتفاع الأسعار وعدم تنفيذ هذا القانون خلال الثمان السنوات الماضية فيما كان يفترض أن ينفذ القانون خلال ثلاث سنوات فقط. • توقيف العلاوات الدورية لموظفي الجهاز الإداري للدولة من سنة 2005 حتى سنة 2012، إذ لم يمنحوا غير علاوة سنة واحدة فقط نتيجة لضغوط الثورة الشبابية فيما علاوة سبع سنين محجوزة من قبل هذه الوزارة. • قبول الوزارة بتنفيذ توجيهات عليا بتعيينات غير مدرجة في موازنة الدولة منذ قيام الوحدة التي عمل فيها حزبا الوحدة على توظيف الآلاف من كوادرهما، ممن أطلق عليهم “المنظمات الجماهيرية” فكانت هذه المجاميع عبئاً كبيراً على خزينة الدولة لأن الكل غير منتجين وليس لهم أي مهام سوى استلام المرتب في نهاية كل شهر، والكثير منهم كانت لهم درجات وظيفية سابقة أسست للازدواج الوظيفي، ليس هذا فحسب بل إن الوزارة نفذت توجيهات عليا بمنح آلاف الدرجات العليا للمتطفلين على خزينة الدولة ما بين درجة رئيس وزراء ووزير ونائب وزير ووكيل ووكيل مساعد ومدير عام وكلها هبات خارج نطاق القانون، وفي نفس الوقت نجد أصحاب الحق المشروع الذين يسيرون أعمال الأجهزة الحكومية محرومين من الاستحقاق القانوني. فالذي نعلمه أن الوزارة أوقفت الترقية لأصحاب المؤهلات الدراسية وثبتتهم بالدرجات التي عينوا فيها لأول مرة، فهل يعقل أن موظف لديه شهادة جامعية أو ماجستير أو دكتوراه ولم يعط أكثر من درجة مؤهل الثانوية العامة التي توظف بها. • وقد زاد الطين بلة التوجيهات التي نفذتها وزارة الخدمة المدنية أثناء اندلاع ثورة 2011 والتي بموجبها وظفت ستين ألف شخص دون الحاجة إليهم في أجهزة الدولة إلا لغرض امتصاص الغضب الشعبي المطالب بإسقاط النظام السابق . هذه المخالفات وغيرها التي تبين أن لوزارة الخدمة المدنية الدور الكبير في تدمير بنية النظام والقانون كانت محل نقاش مع الوزير والنائب خلال تواجدهم في قاعة مؤتمر الحوار الوطني، فبرر الوزير موقفه وموقف من سبقه بأنهم ليسوا أكثر من موظفين ينفذون توجيهات رئيس الجمهورية، فهل هذا المبرر كافٍ؟! ألم يفكروا في نتائج تنفيذ تلك التوجيهات المدمرة لنظام الخدمة المدنية وبالتالي نظام الدولة؟ أما كان الأفضل لهم أن ينبهوا من أصدر إليهم التوجيهات بجسامة الجرم الذي يعمله وبأثره في كيان الدولة؟ ألم يكن من الأفضل لهم في حالة إصرار من يصدر تلك التوجيهات أن يعتذروا عن تنفيذها ويقدموا استقالتهم المبررة؟ فلو عملوا ذلك لكان رادعا قويا لوقف مثل تلك التوجيهات وعدم تكرارها، لكن كلها أطماع شخصية، فالوزير غير مستعد أن يضحي بمصلحته الآنية من خلال ما يكسبه خلال شغله لوظيفته على حساب مصلحة الوطن . والآن ونحن نسعى إلى منح الخدمة المدنية الاستقلال المالي والإداري على أمل أنها ستكون أفضل مما هي عليه الآن، هل سيكون المسئول عنها متحرر من تنفيذ مثل تلك التوجيهات المدمرة والمعطلة للقوانين؟ أم أننا لن نجد بعد استقلالها إلا ما كان يعمل به من قبل وإن اختلفت المسميات والصفات؟ كل ذلك يجعلنا نفكر ألف مرة قبل تعديل الدستور وقبل استقلالية الخدمة المدنية وغيرها من أجهزة الدولة في السبب المؤدي إلى مخالفة القوانين الجماعية، فلو التزمت وزارة الخدمة المدنية بالقانون لما حدثث أي مشكلة ولما أصبحنا الآن نبحث لها عن دور جديد غير مضمونة نتائجه. إذاً فالمشكلة هي في مخالفة الخدمة المدنية للقوانين لا في عدم منحها الاستقلالية، وبالتالي فعلينا في مؤتمر الحوار الوطني أن نبحث في ضمانات تنفيذ القوانين وفي الجدوى من منح الاستقلالية لهذه الخدمة أو لغيرها. وفي نفس الوقت لا ننسى أن هناك الخدمة العسكرية والخدمة الأمنية والفساد المالي والإداري في أروقة وزارتي الدفاع والداخلية أضعاف ما هو مكشوف في وزارة الخدمة المدنية وكله بسبب عدم تنفيذ القوانين. رابط المقال على الفيس بوك