كان الجميع في الجنوب على استعداد لنسيان الماضي القريب، بل الحرب الظالمة، لو شرع نموذج (الجمهورية العربية اليمنية)سابقاً، المشوهة في اختيار طريق المستقبل، لكن ذلك لم يحدث، بل تصرفت عُصبة الأوهام والجنون بطريقة استباحية، فردمت الوحدة والمعاني في نفوس الجنوبيين، وهشًمت المشروع الوطني، بقدر إصرارها على التمسك بالمركز المقدس، بحسب الشهيد الكبير جار الله عمر. لم يكن الجنوب لما قبل وحدة مايو المغدورة فاقداً للدولتية برغم الصراعات السياسية، فالدولة لم تكن سؤال وجود ووعي بحال، لأنها استمرت بذات الايقاع والنواميس والأدوات في كل الأحوال، فيما نحن اليوم أمام مشكلة الدولة ذاتها، فقد جرى اختزال الدولة في ثقب إبرة فساد نتن مازال يحاصرنا، وانفتح الطريق لشكل من الأتوقراطية التوتاليتارية المُشخْصنة، فيما تمت مصادرة الدولة حتى أصبحنا نبحث عن دولة غائبة مغيبة.. وفي تقديري المتواضع أن تلك الدولة الغائبة يمكننا العثور عليها في موروثنا الدولتي المؤسساتي المفقود في جنوب الوطن اليمني، وعلينا إحياء ذلك الموروث وفق منطق التاريخ الذي لا يعرف العودة إلى الوراء، ومن هنا أطالب بيمن واحد في نظامين، وأقصد بالنظامين مؤسستين قياديتين لعملية تنموية ترتقي بالحياة المادية والروحية للمواطنين، وفي مفهومي المُستقى من حكمة (التاو) الصينية العظيمة، لا فرق بين الواحد والاثنين والثلاثة والأربعة والخمسة، فالتنوع ثراء يجعل المُتعدد مُوحداً، بمنطق المشاركة والمساواة والعدل، ويُوسع الملعب الوطني لمباراة حرة، نتنافس فيها على تقديم الأفضليات، والبرهان على ماهو أجدى وأنفع. إن الأمتين العظيمتين في الصين والهند لم تسلكا هذا الدرب من فراغ، بل من حكمة ومعرفة حقيقية بقوانين التاريخ وإكراهاته الجبرية. الصين الكبرى تستلم (هونج كونج) وتفاجئ العالم بشعارها البسيط العميق (صين واحدة ونظامان)، وبعد حين تستلم مدينة (ماكاو)، وتكرر ذات الشعار: صين واحدة ونظامان، وإذا ماشاءت تايوان العودة إلى الصين الكبرى سيستمر الشعار: صين واحدة ونظامان . عندما نقول بدورنا (يمن واحد ونظامان) لن ننسخ النموذج الصيني نسخ العاجز التابع، بل نتمثل المشترك العاقل في كامل الخيارات المطروحة، ونحافظ على وحدة الأرض والإنسان، ونقبل بالتنوع والمشاركة الناجزة، فيما نستعيد بعضاً من حقائق وجودنا الأجمل في شطري ما قبل وحدة مايو، عندما كانت صنعاء وعدن حاضناً لكل اليمانيين، رغماً عن خلاف النموذجين وصراعهما المعروف. [email protected] رابط المقال على الفيس بوك