على غرار تفريخه للأحزاب وللصحف لإرباك الناس ولخلط الأوراق، فرخ صالح آلاف المشائخ ومنحهم أموالاً وأسلحة وسيارات ومرافقين لضرب المشائخ الذين كانوا يمارسون المشيخ التقليدي ضمن علاقة وثيقة وطيبة مع الناس، كما كانوا رغم كل سوء النمط المشيخي أصحاب مواقف. خلق الرجل شخصيات ضعيفة وعزز من سلطاتها، وصار هذا النوع الذي نحكي عنه من مشائخ الغفلة أول من يقف ضد مصالح المواطنين. ولقد كانت العملية ممنهجة لمنع تحقق الدولة من ناحية ولتغذية الصراع بين أفراد القبيلة من ناحية ثانية. وتفيد وقائع أن النظام السابق لطالما كان يصرف ذخيرة من مخازن الدولة لمتقاتلين قبليين. وعلى الأرجح كان يمارس بتلك التصرفات اللهو والعبث الغامضين على نحو «نيروني يمني». تفاقم الأمر حتى أصبحت سطوة هؤلاء تحرج القائمين على الدولة جراء توسع نفوذهم وتصرفاتهم المشينة. ولعلنا نعرف كيف أن هذه النوعية صارت تمارس الابتزاز على الخزينة العامة بكل غطرسة ولامبالاة. بينما ترضخ لهم الدولة أيضاً. بالتأكيد اقتدت أجيال بتلك النماذج المستريحة في كسبها والمتباهية بهيلمانها. والحاصل أن النظام السابق استمر في تخريباته القيمية والأخلاقية للمجتمع حتى نفسه الأخير. كذلك سخر أراذل القوم كقيادات طارئة لمؤازرته في الانتخابات وتأييد الفساد. ولهذا تشوهت أخلاق القبيلة أكثر، حتى إن تصرفات معيبة كان يقدم عليها أفراد منها تعجز العقلاء والراجحين فيها عن إيقافهم عند حدهم، والسبب أن الذين كانوا يتصرفون على هذا النحو كما نعرف هم من أتباع المشائخ الجدد أصحاب القوة والتأثير. وهكذا استمررنا طوال سنوات ما بين كلاب الحاكم وبين كمد الذين لم تفسد ضمائرهم بعد، وليس لهم حول ولا قوة، استمررنا ما بين الذين يقومون بالحشد ضد التغيير وبين الذين آمنوا بأن لاخلاص لليمن ولليمنيين إلا بعودة هيبة الدولة والقانون. وبالمحصلة ليس من يخطفون ويعتدون على الكهرباء وأنابيب النفط وكل من يريدون استمرار قبض الثمن والامتيازات غير الشرعية بالقوة رغم كل التحولات إلا عينة بسيطة من هؤلاء. *** باختصار : فلتسقط مصلحة شؤون القبائل التمييزية جداً؛ إذ يُصرف على مشايخها الابتزازيين المتنفذين الذين يعتبرون نزع سلاحهم ومرافقيهم بمثابة خط أحمر 13 ملياراً من قوت شعب فقير تشتد مكابداته المهولة صحياً وتعليمياً وخدماتياً. فلتسقط هذه المصلحة اللاضرورية باعتبارها صارت رمزاً للانحطاط المشرعن، فيما ينمي أبطالها عنجهية التخلف للأسف، جراء دأبهم على هتك القانون والعدالة والمواطنة المتساوية، ما يعني تكسيرهم لعظم الدولة فقط. المشايخ أصنام فليسقط الأصنام. المشائخ أصبحوا أكبر من مجرد وباء. ولنكافح قيم هذا الوباء المتغول المنتشر. *** المجد للدولة المدنية وللمواطنة المتساوية. [email protected] رابط المقال على الفيس بوك