تالياً نتوقف أمام فيلم “المصارع” الذي يقدّم لنا لحظة فارقة في مسيرة الامبراطورية الرومانية قُبيل انهيارها المحتوم، بسبب تفشّي الفساد في بُنيتها الداخلية، وحتى في بيت الحُكم الذي أفرز نموذجاً سيكوباتياً لابن عاق، يتطلَّع إلى وراثة أبيه في المُلك، وتصل به الخساسة إلى حد اغتيال والده الامبراطور، ثم محاولة التخلُّص من أوفى وأقرب رجالاته؛ فيما نتابع مع المشاهد الملحمية المدروسة بعناية، الحالة الأكثر تراجيدية في ثقافة العنف المجاني الخاضع لفرجة الأسياد المرضى، وبورصة التجارة البشرية لسماسرة الموت، فيما سُمِّيت حلبات المصارعة الرومانية التي يتحتم فيها على المصارع أن يكون قاتلاً أو مقتولاً، ليُرضي جنون الفرجوية الدموية. كامل المتواليات المترعة بالماء والدموع تكشف ذلك البعد الأكثر حساسية في معادلة الانهيار المؤكد لقوة غاشمة تخلَّت عن أخلاق تاريخها، لتباشر عنجهية مفرطة، ومخضبة بدماء الأبرياء. تكمن أهمية هذا الفيلم في كونه كاشفاً لمعنى انهيار الممالك الكبرى، وكيف تستحيل القوة المدججة بالمال والسلاح، إلى مدخل لسقوط يتناسب مع حجم المظالم والاستباحات والقهر المقرون بالعنف النفسي والمادي على الجماهير. هذا ما حدث تحديداً في الامبراطورية الرومانية الكبرى، تلك التي شطبها التاريخ من كتابه الكبير بفعل محركات نهايتها الداخلية، لا بفعل الفتوحات الإسلامية كما يدَّعي البعض. لقد كانت الفتوحات نتيجة لسبب أعمق من مجرد تدافع الخيارات والرؤى المتباينة في عالم ذاك الزمان. [email protected] رابط المقال على الفيس بوك