كثيراً ما تقع النخب السياسية في وهدة عدم الاحتساب لنواميس التاريخ وقوانينه، وهكذا يتداعون مع الوهم وهم يرون الحقائق ماثلة شاخصة كتنين الحرائق والدمار الشامل، وقد أدرك علماء التاريخ معنى أن يقول التاريخ كلمته، ذلك أن أعمار الدول والامبراطوريات محددة معلومة بالضرورة، ولم يشهد العالم امبراطورية ظالمة، ولانظاماً مركزياً عتياً إلا وقد نخرت فيه آفة الفساد، فانهار في طرفة عين . الامبراطورية الرومانية التاريخية خير مثال على ذلك، فبعد أن بلغت روما قمة مجدها، وكانت الآمرة الناهية انهارت من داخلها لأنها بغت وطغت وتجبرت .. في العمل السينمائي الكبير للمخرج الرائد “ميل جيبسون” بعنوان “ المصارع” نتابع مقدمات الانهيار من خلال فساد بيت الحكم، ونرى كيف أن الابن العاق الذي تربى في احضان النعيم الفاجر يتخلّص من أبيه الامبراطور قتلاً بوضاعة وخساسة، حتى يصبح امبراطور البلاد، ثم نتابع كيف ينتقم من قائد الجيوش الرومانية، والساعد الأيمن لوالده، من خلال الهجوم على منزله وقتل زوجته وابنه حرقاً وشنقاً، وعلى ذات المنوال نلاحظ كيف أن اقاليم الامبراطورية الواسعة تعاني الأمرين من الجبايات والقهر والظلم، وتسلط الفاسدين المأفونين بالمال الحرام. قبل حين كتب الراحل الكبير محمود درويش متحدثاً عن نيرون روما قائلاً : يادامي العينين والقدمين إن الليل زائل لاغُرفة التوقيف باقية ولا زرد السلاسل نيرون مات ولم تزل روما بعينيها تقاتل وحبوب سنبلة تجف ستملأ الوادي سنابل بهذا القول يرينا درويش أن نيرون الذي أحرق عاصمته نكاية بمعارضيه زال وذهب إلى مزبلة التاريخ، فيما ظلت روما شاخصة تُناجز الزمان، وتعتلي قمم المجد، وتهزأ لاحقاً بالدكتاتور الفاشي موسوليني، تماماً كما فعلت بنيرون من قبل . [email protected]