بقايا حياة مبعثرة متشحة بالخرافة والوجع هي حصيلة ما خلفه لنا نظام الحكم السابق. كانت هذه الخرافة وكان هذا الوجع بمثابة الوريد الذي يضخ الحياة لأجهزته، على أنها كانت حياة ظاهرية تملأها الأدواء والعلل. لم يكن ذلك النظام يتصرف كدولة، إنه عصابة بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى، كان عصابة لنهب المال العام عاش على سياسة “فرق تسد” ليخلو له الجو فيعيش ويصفر وينقر ما شاءت له الفوضى أن ينقر.. لقد دأب على إشعال الحروب وإزهاق الأرواح لا للحفاظ على الوطن ومكتسباته، ولكن للحفاظ على كرسيه؛ لذا سرعان ما أعلن تحالفه مع جماعات العنف بمجرد أن أطاحت به الثورة. لا نحتاج لكثير ذكاء حتى نكتشف سر هذا الخليط الهجين من النظام السابق أو بعضه والحوثيين مثلا والحراك الانفصالي المسلح.. بالأمس يصور الأول الثاني بوصفهم أعداء الوطن وطائفيين ورجعيين وسلاليين, ويتهم الثالث بعداوتهم للشرعية والوحدة وكان لا يفتأ ينعتهم بقوى الردة والانفصال واليوم هم في سلة واحدة ويد واحدة، ولكن في تدمير هذا الوطن.. يتحدثون كثيراً عن الحوار وأهميته وبناء الدولة والحرص على مصالحها بيد أنهم يسفرون عن وجههم الأكثر قباحة إزاء المواقف الجادة وغير المتذبذبة. لا تعترف المواقف بمن يريدون امتطاءها بادعاء الرجولة والصدق وفي بواطنهم خبث المقصد وسوء الطوية. وكثيراً ما تكشف المواقف عن أدعيائها.. إنها لا تمهلهم كثيراً حتى تتركهم عرايا كأن لم يكونوا بالأمس أصحابها، فلديها قدرة عجيبة على فضحهم وإزالة الأقنعة عنهم. المواقف شخصيتها الثبات ولسانها الصدق ولونها أبيض صاف أشد ما يكون الصفاء. وإذ يخرجون من السلطة فإن لهم وسائل عديدة لتشويه خصومهم يعلنون حرباً قذرة على أبراج الكهرباء وخطوطها فيغرقون المدينة بالظلام ويحاولون دفن ما بقي من أحلامنا المبعثرة وراء العتمة المصطنعة ثم يقولون لنا: هذا هو أنتم! يفجرون أنابيب النفط ويشعلون حرائقهم في كل الأمكنة والزوايا ثم يقولون لنا: هذا هو أنتم! يمارسون الاغتيالات بنهم بليد ويروون ظمأهم بدم المغدور، يلعقونها كحساء، يحاولون نشر الرعب والخوف في جداولنا الخضراء والمعشبة ثم يقولون لنا: هذا هو أنتم! يفعلون كل ذلك متوهمين أن الشعب سيتذكر جنتهم وجوهم المخضلّ بندى عطائهم وكرمهم ليحن إليهم من جديد.. هكذا يتوهمون لفرط ما هم فيه من جهل ولشد ما هم فيه من غباء وسخف. أيها البذخون المترفون بلادة وحمقاً سنظل واقفين كجبل ممتدة عروقه إلى أبعد نقطة في الأرض تحت ضوء شمعة وبكسرة خبز يابسة حتى تكتمل الثورة. وسنظل دون ضجر أو ملل ننسج من حمقكم قصصاً وقصائد شعر تحكيها العجائز للعابرين ولهدهدات الأطفال. رابط المقال على الفيس بوك