يا قبلة الثائرين .. يا مهد البطولة .. يا صانعة الأمجاد .. أنت يا من تسكنين حنايا الروح وسويداء القلب بربك قولي أي بلاء حل بك؟ بربك أطفئي ظمئ تساؤلاتي وأخمدي نيران حسراتي ولهيب أحشائي.. بالأمس رأيت فيك الجثث ممزقة والأرواح مبعثرة والأشلاء متناثرة والدماء أنهارا, بالأمس كان ليلك طويل حالك السواد,لم تستكن الأرواح فيه ولم تنم, ولم ينبلج الفجر من نافذة الزمان كعادته بل ظل يتوارى خلف الآلام والمنايا.. بالأمس في شوارعك ودورك وأزقتك سمعت أنين البشر والحجر وحتى الشجر,سمعت أزيز الصدور ونحيب الدواخل, سمعت أمهات تصرح , ونساء تنوح , وأطفال يتأوهون, وشيوخا يتوجعون.. بالأمس لم يكن ليلك المعتاد فالسكون فيه مخيف والظلام أشد خوفا, ساعاته تمر ببطء كأنها ثوان والثواني تمر كأنها سنوات والوجع يمزق الحنايا ويقطعها, لم تسعفنا الكلمات ( لنهوّن) من ذلك الوجع ,ولم تحتمل الأنامل حرقة تلك الدموع المنسابة وتمسحها, ولم تستوعب الأسماع ذلك النواح المتواصل الذي يمزق الأجساد ويذيب الصخور ويفتت الجبال.. أجيبي وكفاك صمتا , وقولي كيف حل البلاء بك ؟ كيف اخترقت تحصيناتك وكيف تلاشى أمنك وقوة رجالك؟ بالله لا تقفي صامته وقولي أن مصابك كنا نحن سببه وأن دموعك نحن من أسبلناها , وان أبنائك نحن من سمح بقتلهم.. قولي أننا لم نعد كم عهدتنا , وأننا لم نعد نكترث بك أو بأبنائك الذين تسفك دماؤهم وتسلب أرواحهم وتتناثر أجسادهم.. قولي ولا تتلعثمي أو تترددي أو تخافي فمهما كان مصابك عظيم ومهما كان خطبك جليل إلا أنك لا زلت وستظلين كما عرفناك لودر الصمود , لودر البطولة , لودر الملاحم والرجولة. فإن كنا ( نحن) من هوى بك إلى القاع , ونحن من تسبب في زعزعة أمنك وأمانك ونحن من منحنا الفرصة للآخرين لأن يقتلوا أبنائك فالأجدر بنا نحن أبنائك أن نعيد ( حساباتنا) وان ( نقلب) صفحات أيامنا وأن ( نبحث) عن مكامن الضعف والخلل وأن ( نصلح ) الاعوجاج إن كان موجودا ( فينا).. فما يهم يا قبلة الزائرين وصانعة البطولات هو أن لايكون صمتك حقدا علينا أو ( بغضا) لنا أو (احتقارنا) لشأننا, وإن ( كنا) يوما قد وقعنا في الزلل والخطأ ( وغرتنا ) الحياة الدنيا ( وألهانا ) بهرجها عنك فلا زلت تستعمرين دواخلنا ولا زلت تنسابين مع دماؤنا وتصعدين مع أنفاسنا.. فقط ثقي بنا وأخرجي عن صمتك الذي يقتلنا ويزيد من وجعنا وحزننا.. قولي انتم من خذلتموني , انتم من تركتموني , انتم من تسببتم في دماري وذبول أوراقي ونضوب ينابيعي , قولي ولا تخجلي فعتابك ربما يوقضنا من سباتنا ونهرك ربما يوجهنا لطريق الصواب وزجرك ربما ينير ظلمات دواخلنا.. تكلمي ولا تظن أن الصمت في حرم الجمال جمال بل الصمت في لحظات الوجع ( أمضى ) من الحسام..