في أكثر من مقال سبق أن اشرنا إلى أن مشاكلنا في اليمن لا يمكن أن تحل جذريا مالم نقف على أسبابها أولاً.. أما اذا ظللنا نتعامل مع نتائج كل مشكلة فأننا بذلك نمهد لخلق المزيد من المشاكل والقضايا المعقدة.. لكن لو امتلكنا شجاعتنا وسمينا الأشياء بمسمياتها دون مجاملة أو تحرج وحددنا المتسبب لاستطعنا أن نرسم طريق المستقبل ونشقها بخطى واثقة لا نخشى من عثراتها.. على سبيل المثال في مثل هذه الأيام من عام 1994م كان اليمن يعيش في وضع لا يحسد عليه بسبب الحرب التي كانت دائرة حينها ولم تنته إلا في 7يوليو1994م وهي الحرب التي تجمع عليها كل الأطراف السياسية بمختلف توجهاتها الفكرية بأنها كانت السبب المباشر لما وصلت إليه الأوضاع اليوم من تردي وتشظي وغياب ثقة حتى بين أفراد الأسرة الواحدة.. ولذلك فإننا سنقف قليلا عندها باعتبار أنها أم المشاكل وبحيث نستعيد ذكرى تلك الحرب المشؤومة وكيف استغلها طرف ليجعل منها حجة لتحقيق أهدافه وصولاً إلى الانفراد بالسلطة والتخلص من شركائه في العملية السياسية. لقد كان يومها اكثر ما يخيف الرئيس السابق علي عبدالله صالح أن يصر نائبه في مجلس الرئاسة علي سالم البيض على تنفيذ بنود وثيقة العهد والاتفاق التي تم التوقيع عليها في عمان برعاية جلالة الملك حسين ابن طلال رحمه الله ويجعل منها شعاراً مرفوعاً أثناء الحرب.. وهو ما جعل الأيام الأولى من الحرب تشهد ارتباكا واضحا وكان الرئيس السابق يخشى من تدخل وساطات إقليمية ودولية تفرض عليه الوفاء بالوعد الذي قدمه للملك حسين بتنفيذ وثيقة العهد والاتفاق حيث قال له بالحرف الواحد عقب التوقيع عليها: نعدك وعد الرجال بتنفيذ الوثيقة.. وعليه فقد بذلت جهود كبيرة خلال هذه الفترة لإيقاف الحرب وصولاً إلى حل يرضى به الطرفان الشريكان في إعادة تحقيق الوحدة المؤتمر الشعبي والحزب الاشتراكي وحلفاؤهما ومن ضمن الحلول التي كانت تطرح: العودة إلى وثيقة العهد والاتفاق والعمل على تنفيذها.. لكن مراهنات علي سالم البيض حينها على الخارج قد جعلته يصر على مواصلة الحرب في ظل حسابات خاطئة دفعت به إلى إعلان الانفصال في 21 مايو1994م فقدم بذلك فرصة على طبق من ذهب لشريكه في إعادة تحقيق الوحدة الرئيس السابق ليدغدغ من خلالها عواطف أبناء الشعب اليمني وليستغلها جيدا حيث جعل منها ما أسماه بحصان الشرعية دفاعا عن الوحدة إضافة إلى انه في نفس يوم إعلان الانفصال سقطت محافظتا أبين وشبوة دون قتال وانضمت ألوية عسكرية للقتال مع الطرف الذي كان يرفع شعار الدفاع عن الوحدة كرد فعل سريع على إعلان الانفصال وبدون أن يشعر علي سالم البيض أن إعلانه الانفصالي كان اكبر خطأ يرتكبه في حياته النضالية والسياسية شوه تاريخه النضالي من خلاله وتسبب بذلك في القضاء على الجيش الجنوبي سابقاً الذي كان يعد إلى ما قبل أحداث 13 يناير المؤسفة عام 1986م من اقوى الجيوش في المنطقة تسليحا وتدريبا وشجاعة.. وربما أن الهدف الأساس من حرب صيف 1994م هو القضاء عليه وتفكيكه والتخلص من عناصره وهذا ما حدث بالفعل بعد انتهاء الحرب بدليل انه تم تسريح الضباط والجنود قسراً وإبعادهم عن وظائفهم ولم يتبق منهم إلا من كان موالياً وموافقاً على النظام الفردي الذي أنتجته الحرب بصلاحيات مطلقة وقد تغيرت تركيبة الجيش بعد ذلك من جيش وطني يدافع عن الوطن وسيادته واستقلاله وحماية مكاسبه المتحققة إلى جيش لحماية النظام والأسرة الحاكمة. وان كانت ليست هذه هي المرة الأولى التي يخدم فيها علي سالم البيض شريكه علي عبدالله صالح لينقض عليه ويخرجه من معادلة الحكم.. فقد سبق أن قدم له في الثلاث السنوات الأولى من عمر دولة الوحدة خدمات كبيرة مهدت له العمل للانفراد بالحكم وذلك من خلال اعتكافاته المتكررة التي كان يجد فيها الرئيس السابق متنفسا لاستعادة الصلاحيات التي احرمه منها دستور دولة الوحدة.. أما لو بقي علي البيض يمارس صلاحياته الدستورية كنائب لرئيس مجلس الرئاسة متجاوزا الضغوطات التي كانت تمارس عليه لتطفيشه ومتغلبا عليها لاسيما بعد أن أصبح يشكل للرئيس السابق شوكة في حلقه لكان جنب اليمن ما وصلنا إليه اليوم من أوضاع صعبة ولما قامت الحرب أصلاً عام 1994م..ولذلك فإن علي سالم البيض يتحمل المسؤولية مع شريكه علي صالح ويفترض أن يقدمهما الشعب اليمني للمحاكمة في الشمال والجنوب جراء ما اقترفاه في حقه من جرائم لا تسقط بالتقادم مست كافة مناحي حياته السياسية والاقتصادية والأمنية والمعيشية والتنموية والخدمية. وإجمالاً نقول بثقة: أن حال اليمن لن يستقيم ولن يتحقق له إحداث تغيير حقيقي مالم يكن هناك قصاص عادل من منظومة النظام الذي جاءت به وحدة 22مايو 1990م واجتثاث هذه المنظومة من السلطة نهائيا ليتمكن الشعب اليمني من بناء دولة مدنية ديمقراطية مؤسسية حديثة تجسد التغيير الحقيقي الذي ناضل من أجله الشعب اليمني طيلة اكثر من خمسة عقود ومازال يناضل حتى اليوم ..وبدون ذلك القصاص والاجتثاث فإننا في هذا الوطن ذاهبون إلى مجهول لا أحد يدري منتهاه. رابط المقال على الفيس بوك