من المفارقات المحزنة أن المهرج في السيرك يسلي الناس ويرفه عليهم بالسخرية من نفسه , وهذا تماماً ما يفعله بعض الساسة او قادة الرأي العام حين يصل بهم الابتذال السياسي الى التهريج الذي وان نال الاعجاب من الجمهور , فإنه قد فرض عليهم ان يكونوا هم المسخرة المثيرة للإعجاب. بعض المشاركين في التسوية السياسية والمنخرطين في الحوار الوطني الشامل ، يمارسون التهريج السياسي حين يطالبون بين الفينة والأخرى بمحاكمة الرئيس السابق وأركان حكمه على جرائمهم المقترفة في العام 2011م ، ومصدر التهريج هنا ان هؤلاء جزء رئيس وحاسم من مكونات القبول بالحصانة الكاملة للرئيس السابق واصدارها كأول مهمة لحكومة الوفاق الوطني باعتباره من قوانين السيادة. التهريج في هذه المطالبة ، يظهر في التناقض بين الممارسة والمزايدة ممن قبل بالحصانة ويطالب بما هو مستحيل في ظل إلزاميتها السياسية والقانونية ، ذلك ان هذا المطلب يتحقق ، إذا وإذا فقط سقطت التسوية السياسية وما تضمنته من إلزام والتزام ، ويصل التهريج حد السفه حين يقفز المطالبون بالمحاكمة على العدالة الانتقالية والمصالح الوطنية ، والموكولة الى مؤتمر الحوار الوطني الشامل بعد فشل الحكومة وعجزها عن إصدار قانون العدالة الانتقالية ، لأن اطرافاً في الحكومة مشمولة بهذا القانون باعتبارها شريكاً في مسؤوليات الحكم أثناء فترة الرئيس السابق. شخصياً اشمئز حد القرف من هذه المتاجرة الرخيصة بقداسة تضحيات جماهير الانتفاضة الشعبية عام 2011م وقتلاها وجرحاها حين تستخدم سياسياً لإخراج اركان نظام الحكم السابق وركائزه من دائرة المسؤولية من الجرائم والمفاسد التي مورست خلال ثلاثة وثلاثين عاماً او حتى خلال تاريخ 21 عاماً من تاريخ الجمهورية اليمنية ، اما حين تكون المطالبة محصورة في شخص فإنها تتعمد تزييف الوعي الجمعي وتضليله بشيطنة الشخص والمحافظة على نظام حكمه ومفاسد ادارته ، وهذا هو الباعث وهو المقصد من حصر جريمة عهد كامل بشخص رئيسه فقط ، لذلك لا غرابة في أن يصدر مطلب محاكمة الشخص من ذات الركائز التي خدمته ثلاثة وثلاثين عاماً ، وتسعى الآن جاهدة على الإبقاء على كامل نظامه وكل هيئاته لأنها في الواقع والتاريخ كانت هي النظام والهيئات التي حكم بها الرئيس السابق. على الذين يطالبون بمحاكمة الرئيس السابق أن يقفوا موقف مضاد تماماً وكلياً للتسوية وما تضمنته من نصوص وآليات ، ذلك أن اسقاط الحصانة يعني اسقاط التسوية السياسية ، حتى بعد نجاح الفترة الانتقالية منها ، لأن الحصانة من أسس التسوية السياسية والتوافق السياسي عليها برعاية اقليمية ودولية ، وإسقاطها بعد نجاح العملية الانتقالية خيانة للعهد ونقض للعقود والوفاء بها. وعلى هؤلاء ان يدركوا ان المطالبة بمحاكمة الرئيس السابق لم تعد بطولة سياسية مناسبة لاكتساب الشعبية والشهرة كما كانت عليه في السابق ، فالبطولة المتاحة الآن هي تحقيق الوعود التي قدمت للجماهير أثناء حشدها لمعارضة الحكم السابق والمطالبة بإسقاطه ، هي وعود يبدو أن تحقيقها يتعثر بمعوقات أكثرها من ركائز النظام السابق التي انتقلت الى معارضته قبل وبعد انتفاضة الجماهير عام 2011م. [email protected] رابط المقال على الفيس بوك