جرّاء تصاعد الاحتقانات الطائفية والمذهبية والاختلافات السياسية، وبالنظر إلى الشرخ الذي أصاب الصف الجمهوري وتعاظم المؤامرات ووصول الأمور إلى مرحلة خطيرة من التدهور، قرّر الإرياني وبعد دراسة مستفيضة مع الأخوين القاضي محمد الزبيري والأستاذ أحمد نعمان «أعضاء المجلس الجمهوري» أن خير علاج للمشكلة هو الاستقالة المسببة من مناصبهم التي تقدّم بها الثلاثة مطلع ديسمبر 1964م. وفي هذا السياق نشير إلى بعض بواعث الاستقالة التي قدمها الإرياني والزبيري والنعمان ومعهم آخرون إلى الرئيس المشير عبدالله السلال، والتي يمكن إجمالها في ما يلي: أولاً: خيبة الثوار والقبائل في إصلاحات الثورة؛ وذلك بسبب غياب الانسجام بين كبار المسؤولين، فضلاً عن غياب برامج التنمية الاقتصادية والاجتماعية الشاملة التي تلبّي طموحات الشعب. ثانياً: عدم توافر روح الالتزام والانضباط والتقيُّد بالعمل التضامني، والنزوع إلى الفردية والارتجالية التي تتسبب في الكثير من الازدواجية والتناقضات. ثالثاً: الإشارة بوضوح إلى أن السلال كان يحجب عنهم المشاركة في صناعة القرار، أو يمنع عنهم القيام بأية مهام عملية تسهم في تقديم الرؤى والحلول والمقترحات الصادقة لمجمل القضايا الشائكة. رابعاً: التحفظ – وإن بشكل غير مباشر – على الإملاءات المصرية في الشأن الداخلي للحكم باليمن وقتها. وفي سياق تداعيات هذه الاستقالة لقي المستقيلون عتاباً لاذعاً من الدوائر المصرية خاصة بعد أنت تسرّبت الاستقالات عبر الصحف البيروتية وقتها، الأمر الذي تطلّب بعد ذلك من الإرياني إرسال توضيح إلى الرئيس عبدالناصر مصحوباً بنص الاستقالة التي تشيد بدور مصر.
ومن أروع ما تضمّنته وقفات الرئيس الإرياني، تلك القصص التي تستحق إعادة روايتها، ومنها تحديداً تلك التي كان فيها الرئيس الإرياني شاهداً ومعه النعمان على لحظات استشهاد المناضل محمد محمود الزبيري في منطقة برط، بعد أن أنهوا جولة في اللقاء بالقبائل في إطار مساعي المصالحة وتوحيد الصف؛ إذ يصف الإرياني هذه الحادثة المحزنة بقولة: «... وتقدّمنا القاضي محمد على حماره مزهواً به؛ لأن الخيل قد عجزت عن اللحاق به، وحينما أشرفنا على قرية «رهيمات» ما بين «مداجر» و«رجوزة» و«ظلام» سمعنا عدة طلقات قريبة ونظرنا، فإذا بالقاضي محمد بن محمود الزبيري يهوي من على ظهر الحمار المشؤوم وهو يقول: الله، الله، الله، ثلاثاً.. وهكذا فارق الشهيد الكبير الحياة في الساعة السابعة والنصف من صباح يوم الخميس الموافق الأول من ابريل 1965م». غداً: مؤتمرات للمصالحة. رابط المقال على الفيس بوك