لا يجب أن نقرأ الحدث الأخير في مصر من جانب سلبي؛ إن فيه من الخير والإيجابية ما يجعلنا مطمئنين أن القطار ماض في سبيله الصحيح, وأن الثورة ما زالت مستمرة وإن شهدت مسيرتها بعض المنعطفات غير السارة أو التعرجات بحسب تعبير ياسر الزعاترة المحلل والكاتب الصحفي المعروف, ومن المحتم أن تصل لهدفها الموعود في التأسيس لدولة مدنية حديثة, أبرز ملامحها أن الشعب هو من يختار زعماءه بإرادته المحضة, دون الوصاية عليه من أحد, وهو نفسه من يعزلهم متى أراد. لقد كشفت الأحداث الأخيرة للمصريين من يقف حجر عثرة أمام التغيير, إن على المستوى الداخلي أو الخارجي؛ داخليا شاهد المصريون حجم الدولة العميقة الضاربة جذورها في كل مفاصل الحكم على نحو ربما لم يكونوا يتوقعونه وبان عليهم أكثر من أي وقت مضى التفكير بطرق أو حلول أخرى مساندة من شأنها تفكيكها؛ إن في ذلك على الأقل ضمانة أكيدة للتغيير؛ لذا كان على الإسلاميين الصبر قليلا وعدم حرق المراحل للصعود إلى أعلى هرم في السلطة قبل تسوية الملعب السياسي التي تضمن عملية التغيير, كان عليهم دعم شخصية مستقلة تتمتع بالنزاهة والقوة لتفكيك الدولة المتجذرة من عصابات النظام السابق ذاك الذي ثاروا عليه بالأمس القريب.. علينا هنا استحضار مؤسسة القضاء تلك التي راحت تتماهى في السياسة لدرجة لم يعد أحد لا يضع التساؤل المشروع: أهؤلاء قضاة أم رجال سياسة ومخابرات!؟ الأمن والشرطة وأخيراً الجيش, وقفت هذه الأجهزة جميعها ضد الثورة في الغالب الأعم رأيناهم على سبيل المثال لا الحصر يقفون متفرجين أمام إحراق مقرات للإخوان وآخرين. أكثر من ذلك تركوا المتظاهرين المناوئين للحكم يعتلون أسوار الاتحادية لا بل ويخلعون بوابته الرئيسة بالونش ويلقون قنابل المولوتوف داخل أسواره, ألا يدل كل ذلك على أن ما حدث كان ثورة مضادة مخططا لها بدقة ودعم كبيرين!؟ كما كشفت الأحداث أن ثمة من يريد الوصول للحكم لا عن طريق الديمقراطية وآلياتها المعروفة, وإنما عن طريق آخر لا يمت للديمقراطية ولا إلى القيم الحضارية والمدنية بصلة؛ يفعل هؤلاء ذلك لعدم ثقتهم بحضورهم الجماهيري, وللخوف من نجاح الرئيس المنتخب, ولو كانوا صادقين في زعم فشله, إذن لانتظروا قليلا إمعانا في إظهار فشله وإذ ذاك سيكون هذا الفشل ورقة رابحة في يدهم ودليلا يقنعون به الناس لاختيارهم عبر الصناديق.. على أن لدينا دليلا آخر لهذه القراءة.. هذا الإغلاق المتعمد للقنوات الفضائية والصحف والزج بالخصوم في السجون, ومصادرة أموالهم, تماما كما كان يحدث من قبل. كما أرت الأحداث عموم الشعب المصري والمترددين في حسم مواقفهم, أرت هؤلاء جميعاً مدنية الإخوان عكس ما يشيعه إعلامهم المضلل عنهم كأصحاب عنف. على سبيل المثال يعترف خصوم مرسي القادم من جماعة الإخوان أنه لم يكن ديكتاتور، فلم يسجن سياسياً ولم يغلق قناة أو يصادر صحيفة, كما لم يكن إقصائيا كما يحاول خصومه تصويره. في الصعيد الخارجي كشفت الأحداث مواقف بعض الدول من الثورة المصرية تلك التي راحت تضخ أموالها في البنوك المصرية غداة الإطاحة بمرسي في خطوة متوقعة بغية إيقاف زحف الحرية والعدالة الاجتماعية إلى هذه الدول.. خلاصة ما نروم الوصول إليه أن مجمل الأحداث الأخيرة تصب في صالح مشروع الحرية والعدالة والانحياز لخيارات الشعوب وإن كان في ظاهره وعند النظرة العجلى مؤلما” وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم” ها قد تعرى الانقلابيون على نحو أشد، هاهم أولاء يطردون السوريين ويضيقون عليهم ويخنقون غزة من جديد ويقينا أن الشعب المصري شديد الدهاء؛ لذا لن يدعهم يمرون طال الزمن أو قصر. رابط المقال على الفيس بوك