منذ سنوات قليلة نظمت وزارة الإدارة المحلية ورشة عمل عن الموارد المحلية شارك فيها جميع مدراء عموم الموارد الزكوية بالمحافظات، وبعض المسئولين في الأجهزة الإيرادية الأخرى، وقد تمكن كل واحد فيهم استعراض تجربته الشخصية في هذه العملية، وكيف تمكن من التغلب على الصعوبات التي تعيق جباية هذا المورد الذي يعد من أبرز نجاحات التنمية المحلية، وقد كشفت الورشة عن كم كبير من الصعوبات والمعوقات منها ذاتية تعود إلى طبيعة أجهزة الإدارة المحلية، وأجهزتها في المحافظات والمديريات، وكذا إلى مستوى الوعي المتدني فيها، ومنها موضوعية تعود إلى طبيعة الواقع القائم وشحة المنتجات الزراعية والحيوانية، فيها ومنها يعود إلى طبيعة الآليات المستخدمة في الجباية، ووسائلها التقليدية، وعدم قدرتها على التعاطي مع واقع المرحلة الحالية، والتي تعتمد على أساليب ووسائل وآليات جديدة ومتطورة. فقد تم في الورشة استعراض الكثير من المفردات والمصطلحات المستخدمة في عملية التحصيل والمنصوص عليها في مختلف التشريعات والآليات المستخدمة في الجباية، وهي مفردات غامضة، وغير معروفة، ولم تعد قائمة في الواقع، لأنها قائمة بذاتها ومضامينها من العهد التركي، وحتى الأتراك لم يعودوا يتعاملوا بها ،لأنها قد أصبحت عندهم من مخلفات الماضي البعيد، ومع قيام ثورة أتاتورك تغيرت هذه المفردات والمفاهيم، وأصبح هناك واقع جديد يتناسب وطبيعة العصر، لهذا حققت المنظمات المحلية والشعبية التركية تحولاً واسعاً في الواقع، وأصبحت تملك مقومات البناء والتحول والتطور بنفس مستوى المقومات التي تمتلكها الدولة.. وعلى الرغم من كل ذلك إلا أنها ما تزال أداة التعامل في اليمن، رغم أن المسميات والمفردات المستخدمة لم تعد موجودة في قاموس التداول الشعبي، ولم يعد لها وجود فعلي ولا يعرف معناها إلا القائم عليها. إذاً هناك مشكلة أساسية في طريقة وأسلوب الجباية، وهي طريقة قديمة وعقيمة ولهذا أوصت الورشة بأهمية جباية الموارد الزكوية التي فشلت المكاتب المختصة من جبايتها في المحافظات والمديريات من قبل أجهزة السلطة المحلية ومجالسها المحلية. واعتبرت أنها ديون مستحقة على المجتمعات المحلية، يجب تحصيلها لصالح التنمية المحلية في الوحدات المحلية وهذه العملية غير ممكنة وغير عملية، فالديون التي أوصت الورشة بجبايتها تقدر بالمليارات، وتحصيلها بأثر رجعي غير ممكناً لأنها ديون وهمية وغير حقيقية، والدائن لها غير معروف، وربما أنها ناتجة عن عدم موضوعية آلية الجباية القائمة. ونشأت معظمها عن واقع المتغيرات التي اعتملت في الواقع وأهمها في تقديري الانكماش الذي حصل في المساحة المزروعة، نظراً لقسوة الحياة في الوحدات الإدارية وصعوبتها، وارتفاع حصيلة الهجرة ببعديها الداخلي، والخارجي، وتخلي العديد من السكان عن الزراعة وتربية المواشي وغيرها ممن يستوجب دفع الزكاة عليها، بالإضافة إلى أن غالبية سكان المجتمعات الريفية قد أصبحوا من سكان المدن، وزكاتهم تدفع هناك في مواطنهم الجديدة ،حيث يستفيدوا من الخدمات فيها، والموظفون هنا يتم خصم زكاتهم مباشرة من رواتبهم، وهناك علاوة على ذلك أشخاص وربما أسر قد توفت، وهناك رب أسرة لم يعد موجوداً وأسرته قد تشظت إلى أفراد وأسر متعددة، ولا يزالون في كشوفات الزكاة مسجلين باسم رب الأسرة الذي توفاه الله من سنوات، وربما عقود كثيرة ولم يعد معروفاً لدى أجيال متعاقبة، وما تركه هذا المنتقل إلى حضرة المولى عز وجل، قد توزعت بين الأبناء والأحفاد، وربما أحفاد الأحفاد. وهذه المتغيرات لم يتم متابعتها في الواقع فظل موظف الواجبات يطالب بها سنوات وعقود باعتبارها موجودة في سجلات الواجبات دون أن يدركوا بأن هذا الوضع لم يعد قائماً، ولهذا تحولت هذه الديون الوهمية إلى منازعات ومشاجرات بين السلطة المحلية، والمجتمعات المحلية.. فالسلطة المحلية غير قادرة على جبايتها، ولا المجتمعات المحلية قادرة على دفعها. وهناك أيضاً في المجتمعات الريفية أسر تسكن في إطار جغرافي أبعد، وهم ما يطلق عليهم شعبياً بالنقائل، كانت تحصل زكاتهم في الماضي عن طريق كبير الأسرة في موطنه الأول، وظلت تتوارث هذه الطريقة حتى الآن رغم أن هؤلاء غير موجودين فعلاً وغير مرتبطين بمواطنهم السابقة، والمكلفون بتحصيلها في مواطنهم القديمة لم يعودوا موجودين أيضاً وقد أصبحوا في خبر كان. هذه الصعوبات موضوعية، وتحتاج إلى معالجات فعلية وآليات جديدة مرنة وواقعية.. فعلى الأجهزة المعنية بهذا الأمر أن تدرس هذه الصعوبات، وتبحث عن أدوات ووسائل جديدة تتناسب وطبيعة العصر، بحيث تكون موضوعية وحقيقية تساعد على أحداث التنمية الفعلية القادرة على التغيير والتطوير وتحقيق متطلبات المجتمع. وفي تقديري أن وزارة الإدارة المحلية ومدراء مكاتب تحصيل الموارد الزكوية والمجالس المحلية المعنية بها قادرون على دراسة هذه العملية دراسة علمية منطقية وإعادة النظر في الأساليب والطرق والآليات المستخدمة في الجباية، وتحديثها بما يتلاءم وطبيعة المرحلة الجديدة، ومن الأهمية بمكان أن تكون المجتمعات المحلية شريكة فاعلة في ذلك باعتبارها معنية باستنهاض واقعها التنموي، ولأنها أكثر إدراكاً بمتطلبات حياتها. واستغلال هذه الموارد استغلالاً مثالياً سيشجع التجار والمستثمرين على دفع زكاتهم بطوعية، وبسخاء ،باعتبار أن هذه الشريحة الاجتماعية هي من أهم الروافد التنموية، والمستفيد أيضاً من وجود بنية تحتية متطورة في عموم الوحدات الإدارية. إذاً لابد من تحصيل هذه الموارد بصورة صحيحة، ولابد أن يرتفع وعي المواطن إلى مستوى الشعور بالواجب تجاه تطوير منطقته، باعتبار أن الموارد الزكوية أحد أبرز الموارد الوطنية ورافداً أساسياً للتنمية المحلية التي تضطلع بها المجالس المحلية. رابط المقال على الفيس بوك