رسائل إلى المسجونين«3» هذا وإن كل ساعة من ساعات المسجون الذي حكم عليه ظلماً تكون كعبادة يوم كامل له، إن كان مؤدياً للفرائض، ويكون السجن بحقه موضع انزواء واعتزال من الناس كما كان الزهاد والعباد ينزوون في الكهوف والمغارات ويتفرغون للعبادة، أي يمكن أن يكون هومثل أولئك الزهاد. وستكون كل ساعة من ساعاته إن كان فقيراً ومريضاً وشيخاً متعلقاً قلبه بحقائق الإيمان وقد أناب إلى الله وأدى الفرائض، في حكم عبادة عشرين ساعة له، ويتحول السجن بحقه الى مدرسة تربوية إرشادية وموضع تحابب ومكان تعاطف، حيث يقضي أيامه مع زملائه في راحة فضلاً عن راحته وتوجه الأنظار إليه بالرحمة، بل لعله يفضل بقاءه في السجن على حريته في الخارج التي تنثال إليه الذنوب والخطايا من كل جانب، ويأنس بما يتلقى من دروس التربية والتزكية فيه وحينما يغادره لايغادره قاتلاً ولا حريصاً على أخذ الثأر، وإنما يخرج رجلاً صالحاً تائباً إلى الله، قد غنم تجارب حياتية غزيرة فيصبح عضواً نافعاً للبلاد والعباد، حتى حدا الأمر بجماعة كانوا معنا في سجن “دينزلي” إلى القول ، بعدما أخذوا دروساً إيمانية في سمو الأخلاق ولو لفترة وجيزة من رسائل النور. “ لو تلقى هؤلاء دروس الإيمان من رسائل النور في خمسة أسابيع، فإنه أجدى لإصلاحهم من إلقائهم في السجن خمس عشرة سنة”.. (سعيد النورسي). فما دام الموت لا يفنى من الوجود والأجل مستور عنا بستار الغيب ويمكنه أن يحل بنا في كل وقت وأن القبر لا يغلق بابه.. وأن البشرية تغيب وراءه قافلة إثر قافلة.. وأن الموت نفسه بحق المؤمنين ماهو إلا تذكرة تسريح وإعفاء من الإعدام الأبدي، وأنه بحق الضالين السفهاء إعدام أبدي كما يشاهدون أمامهم، إذ هو فراق أبدي عن جميع أحبتهم وأقاربهم بل الموجودات قاطبة فلابد ولاشك بأن أسعد إنسان هو من يشكر ربه صابراً محتسباً في سجنه مستغلاً وقته أفضل استغلال، ساعياً لخدمة القرآن والإيمان. فائدة وكم في السجن من مظاليم.. هل يعلمون أن أجرهم عندالله لا يضيع أبداً رابط المقال على الفيس بوك