منذُ الحرب العالمية الثانية يسعى كلٌ من الأمريكان والروس إلى فرض أنفسهم قوة أحادية ضاربة تتحكم بمصير العالم، فبرغم القطبية الثنائية والمراوحة التي جعلت القطبين كفرسي رهان؛ إلا أنه وبعد انتهاء الحرب الباردة وتفكُّك منظومة الاتحاد السوفيتي إبّان حكم جورباتشوف، انفردت الولاياتالمتحدة بقرار أحادي بعيداً عن مضايقات الدُّب الروسي الذي عصفت به أزمات مالية خانقة؛ ولأن الروس مثقفون ومتعلمون ولديهم موارد وطاقات بشرية هائلة، كان من السهل على فلاديمير بوتين إعادة تشكيل الاقتصاد الروسي المترنّح، وإعادة بلورة السياسة الخارجية عبر صناعة حلفاء استراتيجيين ونهج سياسة تُشابه إلى حدٍ ما السياسة الأمريكية؛ إلا أن التنامي الروسي شكّل تهديداً حقيقياً للأمريكان بالنسبة للاستفراد بالقرار مع حلفائها الغرب، الأمر الذي جعل الأمريكان يفكرون بخلق طريقة جديدة من نوعها للتعامل مع العالم، الشرق الأوسط على وجه التحديد، ولعل أحداث ال 11 من سبتمبر مثّلت ذلك التحوّل الرهيب في السياسة الخارجية الأمريكية، تحت يافطة “مكافحة الإرهاب” لا أحد يعلم فيما إذا كانت القاعدة هي من دبّرت ذلك العمل الفظيع؛ لكننا نعلم يقيناً إلى أي حدٍ عادت تلك الحادثة بالنفع على الولاياتالمتحدة بالنسبة لسياستها الخارجية.. لا أظن أن بمقدور القاعدة عمل شيء من هذا القبيل داخل امبراطورية العالم الاستخباراتية، يبدو أن الحادثة كانت مدبّرة، ثمةَ تسهيلات قُدمت لمدبّري الحادث من داخل الاستخبارات ذاتها.. يقال إن مئات اليهود يومها تغيّبوا عن مكاتبهم داخل برج التجارة العالمي، من يدري..؟!. عموماً، وجدَت الولاياتالمتحدة ضالتها، وبدأت ما يسمى “الحرب على الإرهاب” الذي بدأ بأفغانستان، معقل التنظيم، كون المنطقة خاضعة للروس.. للعلم أمريكا هي ذاتها من موّلت تنظيم القاعدة لحرب استنزاف مع الروس داخل افغانستان، بعدها دخلت افغانستان بغطاء دولي أحادي الجانب يسمّى “حلف النيتو” هنا وجدت روسيا ما تبقى من حلفائها يتساقطون كحبات العقد، بينما هي تكتفي بالفُرجة.. في منطقة الشرق الأوسط الخاضعة للتحالفات والتجييش، انقسمت الدول ما بين رأسماليين يحالفون الغرب، أو بالأحرى يخضعون لابتزازهم مقابل الحماية من أعداء وهميين، أو قوميين يوالون الروس نكاية بالطرف الآخر؛ وكلا الفريقين عملاء في النهاية، لم يتبق لروسيا في المنطقة سوى النظام السوري، حيث القواعد العسكرية الأخيرة في المنطقة، سعى حلفاء الغرب في المنطقة لإدخال سوريا في أتون ما سمي «الربيع العربي» لإسقاط آخر حلفاء للروس رغم هروب عدد من دول المنطقة من رياح الربيع، إلا أنهم تمكنوا من إشعال النار في سوريا، التي لم تكن في نظري بحاجة لثورة وهي المكتفية ذاتياً والمصنِّعة لأفخر الملبوسات والأحذية في المنطقة، ما كانت سوريا بحاجته هو نسمات من الحرية في ظل الحكم العسكري الطائفي الأكثر دموية على الإطلاق، النظام السوري لم يُقصّر بطبيعة الحال، فأحرق الأخضر واليابس، استدعى الطائفية من جذورها، وخاضت إيران غوايتها المفضلة واشترك حزب الله بسقوط مريع أخرج من الأذهان بطولة المقاومة في تموز 2006م، لم تكتف بعض دول الإقليم بحشد الدعم الغربي على سوريا، لكنها عملت على دعم مليشيا النصرة والقاعدة وتمزيق سوريا تماماً، فلا هي تبقى للأسد وحلفائه الإيرانيين، ولا هي تسقط في أيدي تيار المعارضة الأقوى الإخوان المسلمين. ولأن العمالقة يتصارعون في منطقتنا، كان لابد أن يكون الدمار كبيراً، فعامان من الصراع لم تفرز فوز أحد الفريقين بالجولات الأولى، فدمار سوريا يسعى إليه كلا الطرفين، كان آخر تلك الجولات السلاح الكيماوي، حيث يسعى الغرب إلى توجيه ضربة للنظام السوري؛ ليس من أجل الأطفال الذين قضوا في الغوطة، فالآلاف قتلوا ومازالوا في معارك مشابهة، لكنه السلاح الكيماوي الذي استدعى إنسانية الغرب، بالمقابل لا يكترث الروس بالأسد، وسنين "اللى خلفوه؛ لكن صراعها مع الغرب دفعها إلى استخدام القضية السورية لمساومة الغرب، كان بإمكان روسيا التخلّي عن الأسد والذهاب إلى «جنيف 2» وإيجاد مقاربة مع الغرب بون الأسد وإنهاء ذلك الدمار، لكن ذلك لا يهم الروس، فخلاف واشنطن وموسكو بشأن قضية المتخابر المتقاعد «سنودن» الذي يعيد إلى الأذهان مرحلة الحرب الباردة, ذلك الخلاف دفع بالعملاقين إلى مرحلة اللا عودة، خصوصاً بعد تصريحات أوباما بمشاركته في قمة الدول الثماني المزمعة في سانتبترسبورج الروسية وإرجاء قمته الثانية مع نظيره بوتين بعد القمة.. سارت الأمور بوتيرة عالية خلال الأسبوع الماضي، فقرّرت أمريكا وحلفاؤها عمل ضربة خاطفة لمنشآت عسكرية سورية، فيما روسيا تبرأت من الأسد، فليس في روسيا من الجنون ما يكفي لإشعال حرب عالمية ثالثة من أجل عيون سوريا..!!. يتصارع الكبار في بلداننا وعليها، بينما نحن نكتفي بالتصفيق، فتيارُ مناوئ للأسد يصفّق للضربة المحتملة، بينما التيار الموالي يلعن خذلان الروس ويرقصون على جثث الضحايا، فلا ضربةُ الغرب ستسقط نظام الأسد، إذ لا تنوي ذلك, ولا هي ستثبّت حكمه بالمقابل، وبينهما وطنٌ يدمَّر بأيدي أبنائه، وأيدي الكبار. للمصفقين للضربة: هل تقبل من يجتاح بيت أخيك من أجلك..؟!. ولدعاة القومية: هل قاتل الأطفال ومُذكي الطائفية هو فعلاً صمام أمان الأمة؟! تباً لكم جميعاً..!!. رابط المقال على الفيس بوك