لماذا الشباب؟ سؤال حيرتني إجابته وبعد بحث أدركت أن الجواب لا يكمن في عقل مفكر ولا بين سطور كاتب وإنما سأجده في ذات كل شاب ثائر ضد الظلم طامح في البناء، وبعد ليل طويل من التأمل صدق حدسي وارتفعت حيرتي وألهمت جواب، لماذا الشباب؟. لماذا الشباب؟ لأن ثورتهم حظيت بوسام ونالت عنواناً لم تسبق إليه الثورات الشعبية على امتداد تاريخ الإنسانية فقد كان عنوانها (الثورة الشبابية السلمية) فتنافست فيهم شبابيتهم المندفعة وسلميتهم المتأنية، وكانت كلما انتصرت إحداهما غلبتها الأخرى، ومن ربيع أعمار الشباب صنعنا ربيع ثورات عربي أزحنا به خريف طغيان كان قد أسقط من حياتنا كل وردة جميلة. لماذا الشباب؟ قد نتجادل كثيرا هل ركبت الأحزاب السياسية موجة الثورة أم كانت العقل المدبر لها؟؟ لا بد أننا سنختلف، لكننا لا شك متفقون جميعا أن الشباب كانوا للثورة – قلبها النابض، ويدها الضاربة، وعمودها الفقري، ودماءها المتدفقة –، كما أن سواد رؤوسهم لم يكن مجرد لون للشعر يدل على فتوتهم بل كان علامة ذهبية تتنافس عليها القوى السياسية في صراعاتها لتحظى بتأييدهم وتستقوي بعنفوانهم، بل لعل شعرهم الأسود أشبه بالذهب الأسود الذي تتنافس عليه قوى العالم وتبذل فيه الغالي والنفيس. لماذا الشباب؟ لأننا نعلم أن دماء الشهداء التي روت تراب الوطن وأرواحهم التي حلقت في سمائه كان للشباب فيها شرف الابتداء ووافر الحظ، من منا ينسى مازن البذيجي الذي فاز في مارثون السباق نحو الحرية فكان أول شهداء الحرية في ساحة الحرية في أرض العزة تعز، ومن منا تنسى ياسمين وزينب تلك الأجساد الرقيقة التي اغتالتها القلوب المتصلبة، ويستحيل أن أنسى عريس الثورة رأفت سعيد الذي كان يقف حارسا على منافذ الساحات طوال الليل يطلب الكرامة بعد نهار شاق في طلب القوت، رأفت الذي أعد بيت الزوجية ووزع دعوات الزفاف قبل يومين من عرسه، ولم يكن يعلم أن رصاصة الغدر ستكسر قلب العاشق وتباعد الحبيب الذي اقترب، ولكن لا بأس عليك يا عريس الثورة فبيت الزوجية جنان الخلد والمدعوون ملائكة الرحمان والعروس حورية غناء. لماذا الشباب؟ لأن مشاعرهم أقل تلوثا بصراعات الماضي التي أغرقت أطرافا سياسية ومذهبية، ولذلك هم أكثر قدرة على غسل قلوبهم من آثار ذاك الصراع الذي لحقهم غباره وأكثر رغبة في التعايش مع الآخر سياسياً ومذهبياً، على خلاف كثير من كبار القادة الذين شاخت قلوبهم في الصراعات فامتلأت تلك القلوب بالأحقاد رغما عنهم فتضخمت لديهم رغبة الانتقام وتقزمت لديهم رغبة التعايش. لماذا الشباب؟ لأنهم أكثر نقاء وأصفى سريرة وأبعد عن الختل والمخادعة، كما أنهم أكثر قابلية واستعدادا لتغيير قناعاتهم والتخلي عن قبيح عاداتهم، على خلاف من يتقدم بهم السن فلا يزداد في سني عمره إلا ليزداد تصلبا في أفكاره وتمسكا بقناعاته، ومن كان قادراً على تغيير ذاته كالشباب كان أكثر قدرة على تغيير من حوله وتقبل الآخرين والتعايش معهم. لماذا الشباب؟ لأنهم أقرب إلى الحركة منهم إلى التنظير، وأبرع في فن العمل إذا برع الشيوخ في فن الجدل، وتلك حصيلة طبيعية لما يحظى به الشباب من حماس وحيوية، ولما يتمتعون به من طموح ومسارعة إلى التغيير والبناء، فما يدونه المفكرون في بطون الكتب ينقله الشباب إلى ظهر الحياة، وما يتخيله الأدباء في روائعهم يحققه الشباب في واقعهم، وما يدعو إليه الأنبياء ينتصر له الشباب. لماذا الشباب؟ لأن يمننا السعيد قد ران عليه البؤس وشيبته سنو الفساد وأرهقته نوائب الطغيان، وصار بعد الثورة وقد شب عن الطوق، يرنو إلى البناء ليستعيد شبابه المفقود ويدفن شيخوخته البائسة، ولن يكون ذلك إلا بالشباب والشباب فقط، فما أثقل الرسالة وما أعظم الغاية، فهنيئا للشباب. رابط المقال على الفيس بوك