يثبت المنتمون للحزب الديمقراطي العتيد بالولاياتالمتحدة أنهم أكثر حكمة ورويَّة من الجمهوريين الجُدد، الذين مازالوا يمارسون مختلف أنواع الضغوط، لتباشر الولاياتالمتحدة إعادة إنتاج مشروع الحرب الدائمة، والمبادءات الاستراتيجية. لقد تبيَّن هذا الأمر من خلال الاستجابة الحكيمة للمبادرة الروسية التي قضت بأن تخضع دمشق أسلحتها الكيميائية لإشراف دولي، تجنباً للحرب المؤكدة ضدها، فيما إذا أصرَّت على التمسك بتلك الأسلحة . لعب الكرميلن دوراً حاسماً في إدارة المشروعين السياسي والعسكري، واستعادت روسيا مكانتها الكبرى كقوة استراتيجية لها كلمتها في صنع العالم الجديد، وقد اتسمت الدبلوماسية الروسية بقدر كبير من القدرة على المناورة والبراغماتية التي أذهلت المراقبين، وهو أمر مغاير للموروث السوفيتي السابق الذي افتقر إلى تلك البراغماتية المرنة حد اللزوجة، لروسيا القيصر الجديد بوتين، فقد كانت المنهجية السوفيتية القديمة تتسم بالتشدد الأيديولوجي، والمراهنة على قوة الدب العاصفة، فيما تستند منهجية روسيا المعاصرة على استخدام أوراق متعددة على ذات الطاولة.. فتبدو ناعمة في ظاهرها، لكنها قوية الأثر في جوهرها، كما لو أنها كاسحة جليد سوفيتية عتيدة، فقد تمكَّنت روسيا بتحالفها الناجز مع التنين الصيني من تعطيل أي قرارات افتراضية تصدر عن مجلس الأمن. ثم تابعت موقفها الرافض للضربة العسكرية الأمريكية دونما تلويح مجاني بالقوة، أو بالتورط في الحرب، وفي اللحظة المناسبة قدمت للرئيسين أوباما وبوتين حبل إنقاذ يخرجهما معاً من الحرج السياسي، فيما ينفتح الباب لتسوية سياسية تحافظ على ماء وجهيهما. ولولا التوافق الضمني الأمريكي الروسي لما كان لهذه التسوية أن تخرج من ركام الضباب الكثيف لمشروع عسكري جهنمي يطل برأسه في الشرق الأوسط . أوباما تجاوب سريعاً مع مضمون التسوية من خلال تصريح استباقي لوزير خارجيته، ثم طلب تأجيل التصويت في الكونجرس، وبهذا المعنى، ثبت بالديل القاطع أن أوباما سليل نجيب للديمقراطيين التوَّاقين إلى تغيير الصورة النمطية للولايات المتحدة .. تلك الصورة التي كرَّسها الجمهوريون الجُدد، وحاول الرئيس الديمقراطي بيل كلنتون مغالبتها ذات يوم، وهاهو ذا أوباما ينجح في محاصرتها رغماً عن كل العجيج والضجيج الجمهوري العسكرتاري. [email protected] رابط المقال على الفيس بوك