تناولت وسائل الإعلام المختلفة مؤخراً تصريحاً لوزير الخدمة المدنية، وما أكثر المتطوعين للتصريحات في هذا البلد. ويفيد بتصريحه هذا أن الدولة تنفق أكثر من تريليون أجوراً للموظفين، وإن كنت لا أدري الهدف من هذا التصريح تحديداً في هذا الوقت بالذات الذي يشهد فيه الوطن حواراً وطنياً بين مختلف الفئات والمكونات والقطاعات وبإشراف دولي، إلا أني أدُرك جيداً بأن التصريح يعكس حالات الفساد المستشري في البلاد وقلة حياء بعض المسئولين وعدم اهتمامهم بمشاعر عامة الناس الذين يعانون من الفقر والبطالة والتهميش، ويفتقرون إلى أبسط أنواع الرعاية الصحية والاجتماعية وتعاني المؤسسات الوطنية.. الاقتصادية والاجتماعية والتربوية والثقافية من الرتابة والجمود والإفلاس الثقافي والأخلاقي .. فالرقم صادم للمستمع ومحبط له وهو علاوة على ذلك مبالغ فيه ويفتقر إلى أبسط الواقعية والموضوعية. ويقول بعض العارفين بأن ميزانية الدولة بملحقاتها ..ظاهرها وباطنها لم تصل إلى هذا الرقم الصادم والمحبط ..فكيف يمكن أن تنفق وزارة وحدها أكثر من الميزانية ذاتها والجامعات اليمنية، والمبتعثون إلى الخارج وكذا مخرجات المعاهد والمؤسسات التربوية والأكاديمية المختلفة لم يجدوا طريقهم للتوظيف تصل إلى ما يقارب عن عشرين عاماً. إذاً لمن يصرف هذا المبلغ فالأمر يحتاج إلى إجابات من قبل الوزير المذكور. ولماذا لا يحل هذا الرقم الصادم مشكلة المتعاقدين وهم يعدون بمئات الآلاف على مستوى الجمهورية ويشكلون عبئاً على بعض الوزارات وظاهرة التعاقد مخالفة قانونية ودستورية وأخلاقية .. رفضتها دولة الوحدة عام 1992م تقريباً، وطالبت بأهمية أنها ظاهرة التعاقد لعدم شرعيتها، ولمخالفتها الدستور والقانون ..كالتعاقد في الموروث الدولي والإنساني لا يتم مع أبناء البلد فأبناء البلد يتم توظيفهم تلقائياً لمجرد تخرجهم من المؤسسات التربوية ولكنه يتم التعاقد مع خبرات عالمية لم تتوفر داخل البلد... وحكومة الوفاق مجلس النوب ومنظمات المجتمع المدني معنية بمطالبة الوزير بتوضيح الرقم وطرق إنفاقه والمستفيدين منه. وهو يندرج في إطار ما هو متعارف عليه شعبياً بالمبالغة واللا معقول وربما أنه قيل على سبيل الإضحاك ليس إلا وبالطريقة التي عبر عنها المورث الشعبي الآتي: بدأنا بالكذب محلى معسبل قرنا الربح “القرد” بجنب الثور الأشعب وزاد الربح بالهشلة شوية بنينا برأس الديك ديوان وخليناه منافس للرعية نجرنا جفنتين من عود سُطاح وعشينا جميع الرعية فرشنا الأرض بنوعة رأس أرنب وعاد باقي الأذون مشقرات شوية وحملنا الذرة “70” قدح بر وطلعت النقيل كما المطيه لقينا القملي حامل عطيفه عطيفه هندوان”90” وقية وزنا القملي والثور الأشعب وزاد القملي رجح شوية لقينا القُملي داكم على البحر شرب البحر ولا خلى شوية إلى هذا النوع من المغالطة ينتمي تصريح الوزير، وإذا وجد ما يشبه ذلك فالعملية تندرج ضمن فساد الحكومة، وتحديداً الخدمة المدنية والمالية... فهناك في هاتين الوزارتين انتهاكات مستمرة لحقوق الإنسان.. يظل الشخص عشرات السنوات يبحث عن حقوق مسلوبة في الخدمة المدنية، ولم يحصل عليها.. توقفت التسويات سنوات كثيرة، وعندما أطلقت فتاوى الخدمة المدنية تمتنع المالية عن تنفيذها، وإذا نفذت تحجز الفوارق والمستحقات، وهناك فتاوى تمنح بحسب اللون السياسي، والمركز الاجتماعي.. هناك الآلاف ممن انتهكت حقوقهم في الفترة الماضية، طرد البعض من الوظيفة العامة، وفصل البعض الآخر، وجُمدت ترقيات وحقوق البعض الآخر.. ولو عدنا إلى كشوفات المرتبات نكتشف حجم الظلم والفوارق التي يعاني منها منتسبو الجهاز الإداري.. وجميعها تكشف عن عدم أخلاقية الوظيفة العامة، وهناك من حصلوا على فتاوى بإعادتهم إلى الوظيفة، وامتنعت المالية من تنفيذها.. وهناك أكثر من ستين ألف خريج صدرت بهم أوامر رئاسية بتوظيفهم، ونزلت أسماؤهم في الصحافة الرسمية، وتغنى الإعلام في ذلك وما تزال كشوفات وهمية في سجلات الخدمة المدنية. وفي سجلات الخدمة المدنية كشوفات وهمية وغير حقيقية، وتصرف المالية مستحقاتهم المالية شهرياً.. وأغلب من هم في الكشوفات إما وهميون وإما أنهم عمالة غير مؤهلة، والكوادر المؤهلة مهملة ومنسية، ومُغيبة، ومقصاة.. أليس هذا جديراً باهتمامات الوزير والحكومة بصفة عامة. كيف يمكن لكادر بهذه المعاناة أن يكون مبدعاً..؟ فما هو مرصود للموظف لا يحقق له الحد الأدنى من العيش الكريم.. وهذا الوضع جدير بالمعالجة، والمناهضة، ناهيك عن مخرجات التعليم بكل تخصصاتهم الذين لم يجدوا طريقهم إلى الوظيفة العامة، أو أولئك الكم الكبير ممن يطلقون عليهم متقاعدين، وجميع هؤلاء جديرون بالمعالجة والمناهضة. في وزارة الإدارة المحلية يوجد كم كبير ممن اسماهم كشف المرتبات قطاع برط وغيرها من التسميات المماثلة، ومثلها وربما أضعافها توجد في الداخلية والأمن والدفاع وشئون القبائل وغيرها. هذه الكشوفات وجيش جرار آخر محسوبون على مراكز القوى، والقوى التقليدية، والطفيلية، والنفعية، ممن يقومون بالتقطع، وضرب المنشآت، والاختطافات وضرب التيار الكهربائي وأنابيب النفط، وينهبون الميزانية العامة، ويتاجرون بقوت الشعب وأحلامهم. وهم من يأكلون اليوم مخصصات الشهداء، وجرحى الثورة الشعبية السلمية، وينعمون بدماء الناس، ويستمتعون بآلام أسر الشهداء والمخفيين قسراً في سجون ومنازل النافذين والقوى الطفيلية المرتبطة بها. في مختلف بلدان العالم ترتبط الوظيفة بخطة عامة دقيقة وحيوية، فالدولة تربط التعليم بحاجات التنمية، ولمجرد أن يتخرج المرء يوزع على المؤسسات العامة بحسب التخصص والاحتياج، ولا يتحول الخريج إلى مجرد عبء على المجتمع، ولا يوجد شيء اسمه تعاقد. والأجور التي يحصل عليها المتعاقدون في مختلف البلدان عالية جداً وتفوق الأجور التي يحصل عليها الموظفون الرسميون، وفي بلادنا يحصل المتعاقدون على مساعدات إعاشة “18” ألف لكل واحد، لا تفي بقيمة وجبه غذاء واحدة لأفراد أسرة صغيرة مكونة من الأب والأم وثلاثة أو أربعة أبناء. في وزارة الإدارة المحلية كشف كبير من العاطلين، والمتعاقدين، وتمارس ضدهم إجراءات غير قانونية مثل الخصم من مرتباتهم، وحرمانهم من بعض مستحقاتهم، والموظف أيضاً يتعرض لأكثر من إجراء أو عقوبة.. فعقوبة المتغيب لسبب ما، يتعرض لعقوبة الخصم من الراتب، وعقوبة الخصم من إجازته الرسمية، وعقوبة التشهير بتعليق اسمه.. وهذه العقوبات ما أنزل الله بها من سلطان.. وكما عرفت هناك توجه يجري في الإدارة المحلية لمعالجة وضع المتعاقدين وهذه خطوة متقدمة تحسب لقيادة الوزارة شرط أن تكون المعالجة حقيقية وموضوعية وعادلة. ولكن ينبغي أن تكون المعالجة عادلة بحيث تأخذ أولاً التثبيت الكلي، وإطلاق مستحقاتهم كاملة، ووفقاً لذلك يتم استيعابهم وفقاً للتخصص والكفاءة، والقدرة والتعامل معهم وفقاً للقانون والدستور لا كفائض وزائد على الحاجة أو ملوي عام.. تحديد الوظيفة والمكتب والكرسي شرط أساسي من مشروط الإنصاف ورد الاعتبار عن ما لحق بهم خلال الفترة الماضية، لأن التعاقد بالطريقة التي تمت هو إجراء استفزازي لمشاعرهم، وانتهاك لحقوقهم وآدميتهم، ناهيك عن كونه مخالفة قانونية ودستورية والتعامل مع هذه القضية لا ينبغي أن يؤول ما آلت إليه قضية العاملين والمتعاقدين السابقين في المجالس المحلية والتعاونيات قبل الوحدة والتي ما تزال مشكلة قائمة بذاتها من قبل الوحدة تقريباً، حتى تلك المعالجات التي وجهت بها الحكومة ضمن منظمات المجتمع المدني لم يتم حتى اللحظة، وقد مات البعض ويختفي البعض الآخر، وأحلام التوظيف في خبر كان. رابط المقال على الفيس بوك