لا أتحدث عن ثورتنا الوليدة قبل عامين أو يزيد وإنما أتحدث عن ثورة الأجداد التي مضى عليها اليوم ما يزيد عن الخمسين عاماً، من يقرأ تلك الأهداف اليوم يشعر بالفراغ الكبير في آلية العمل الحكومي والشعبي على السواء. الهدف الأول من أهداف تلك الثورة المجيدة هو التحرر من الاستبداد والاستعمار ومخلفاتهما وإقامة حكم جمهوري عادل وإزالة الفوارق والامتيازات بين الطبقات، ربما تمكنا من التحرر من الاستبداد والاستعمار الخارجي لكننا بالمقابل صنعنا استعماراً داخلياً يفوق سطوة ذلك القادم من أقصى بقاع الأرض وأبعدها عن ديننا وعاداتنا وتقاليدنا. استعمار الفكر والضمير واستخدام مبدأ السُخرة والتجويع وتجفيف منابع الثروة واحتكار الكفاية الاقتصادية لتحقيق الثراء الفاحش. ربما استطعنا أيضاً إقامة حكم جمهوري ولكنه كان مبطناً بدكتاتورية الحاكم، فمن من أولئك الرؤساء وافته المنية وهو ينام فراشه دافئاً ومطمئناً لعدالة حققتها يداه؟! تحدث الهدف الأول للثورة المجيدة عن إزالة الفوارق الاجتماعية والامتيازات بين الطبقات، ويكاد المرء اليوم يشهد أعظم حقبة طبقية استبعدت أحرار القوم وكأن أمهاتهم قد ولدتهم مقيدين بالأغلال، فبئس المبدأ وبئس النديم! خمسون عاماً مضت ولازالت الطبقية في استعلاء والعدالة الاجتماعية في استغفال، فكم عسانا حققنا من حجم ذلك الهدف العظيم الذي وضعه الأحرار قبل أن تعلق أعناقهم على مسرح الإمامة كالشياه؟! أين هي العدالة الاجتماعية اليوم بعد أن تطاول الحفاة العراة رعاة الشاة في البنيان حتى علا الأراذل واستغل الأسياد وأصحاب الأنساب الطاهرة؟! وإذا انتقلنا للهدف الثاني من أهداف ثورة الأحرار الحقة نجدها تتحدث عن بناء جيش قوي لحماية البلاد وحراسة الثورة ومكاسبها، وهنا فقط سيصبح من الصعب الولوج إلى ساحة الوغى وقد جردتنا السياسة من حصانة الفكر وحرية الكلمة، هنا فقط نستشف معنى جديداً لمفردة “ حماة الوطن” حين نسترجع تاريخ الجيوش العربية التي سعت للتوحد أمام إسرائيل كعدو رئيسي للأمة العربية والإسلامية، فإذا بنا أمام جيوش الحكام التي تسمع للحاكم وتطيع.. كنا أمام جيش منقسم وأمن لا يؤتمن وشرطة ذات مواقف مشروطة! وما خفي من ذلك كان أعظم والله وحده أعلم! رفع مستوى الشعب اجتماعياً وسياسياً واقتصادياً وثقافياً كان هو الهدف الثالث لثورة قامت على خلفية ملطخة بالجهل والفقر والمرض النفسي والجسدي معاً، فهل ارتفع مستوى الشعب اليوم؟! ارتفع مستواهم السياسي حين جعلت لهم الأحزاب، بل لنخبتهم التي مارست الحزبية كعقيدة ورفعتها كراية وطن وتحدثت بها كلفة، ارتفع مستوى الشعب اقتصادياً بعد أن فتحت الهجرة أبوابها وأصبحت بيئة الواقع طاردة لأبنائهما ، لم يرتفع مستوى الشعب ثقافياً ونحن نتواتر أساليب التربية والتعليم التي همشت الفكر الإنساني واعتمدت المنهجية النظرية واعتبرت التلقين هو العصا التي تفعل ما لا يفعله القلم. لم يرتفع مستوى الشعب اجتماعياً ومن أبناء أولئك الثوار الأحرار من أدارت له الحكومات البائدة ظهرها مستقبلة بعض من تلطخت ولازالت تتلطخ أيديهم بدماء الأبرياء في فصل يتكرر في كل قصة ثورية حدثت بالأمس أو لازالت تحدث اليوم. ولازالت أهداف الثورية متتالية في أجمل نسق حين قالت في رابع أهدافها العظيمة التي لم تتحقق، إنشاء مجتمع ديموقراطي تعاوني عادل مستمد أنظمته من روح الإسلام الحنيف، فأين هو المجتمع الديموقراطي التعاوني العادل في ظل قبيلة وحزب وبندقية وحصانة سياسية؟!.... أقسم أننا لسنا بحاجة إلى أي ثورة لو أننا فقط جعلنا كتاب الله وسنته حكماً عدلاً بين راعٍ ورعية =، لم يعد باستطاعتي أن أكمل ما تبقى من أهداف الثورة وأنا المس النقيض من كل بنودها يحدث منذ أن توسدت الإمامة ترابها وبعثت الديموقراطية في أوطان لم تكن بحاجة إلا إلى العلم فقط، العلم الذي تتغاضى عنه حكومات الأمس واليوم معاً، وليتها تعلم أنها تفتح لأجيال الوطن بهذا مقابر جماعية!