برغم الوعي العام للقضية الوطنية التي راجح الجبوبي قامت من أجلها الثورة، إلا أن ثمة انطباع مازال عالقاً في أذهان البعض، مفاده أن الأهداف الستة لثورة 26 سبتمبر جاءت من أهداف ثورة 23 يوليو، أو أنها نسخة أصلية عنها!. وليس معروفاً على وجه اليقين متى وكيف ارتسم هذا الإنطباع الجزافي، إلا أن أغلب الظن أنه بني على إشاعة أطلقت في السنوات التالية لقيام الثورة، في سياق محاولات القوى المضادة إلصاق صفة التبعية عليها لثورة يوليو، واعتبار الدعم الذي قدمته الشقيقة مصر للثورة اليمنية شاهدا على ذلك. ومع عدم إغفال وجود تشابه محدود بين النصوص، فإن الحقيقة التي لا جدال حولها، أن كلا من الثورتين، إنما حملت هموم وقضايا بلدها، وعبرت تعبيراً أميناً عنها، فإن وجد تشابه في هدف أو بعض مفردات، فهو راجع إلى تجانس في قضايا معينة، ويندرج ضمن التجانس القليل الذي كثيراً ما يُلمح في نصوص أو مضامين أهداف الثورات التحريرية التي هبت رياحها في تلك العقود، للخلاص من الاستعمار ومن أجل الحرية والديمقراطية والعدالة، فالاستعمار - مثلاً - كان الخلاص منه يشكل هماً مشتركاً للثورات التي كانت بلدانها واقعة تحت سيطرته، وكان من الطبيعي أن يتصادف وجود تماثل، بهذا القدر أو ذاك، في بعض مضامين الأهداف الثورية، مع أنها في الأول والأخير صيغت وفقاً لمقتضياتها الموضوعية لدى كل ثورة، وهو ما يجعل من التشابه محض تصاف .. لكن الفارق بين أهداف ثورة وأخرى يظل قائماً، تبعاً لواقع وخصوصية البلد الذي تنتمي إليه .. وهذا ماتؤكده نصوص أهداف ثورتي يوليو وسبتمبر. تنص أهداف يوليو الستة على:1- القضاء على الاستعمار، 2- القضاء على الإقطاع، 3- القضاء على سيطرة رأس المال، 4- إقامة جيش وطني قوي، 5- إقامة ديمقراطية سليمة، 6- إقامة عدالة اجتماعية. نلاحظ في الأهداف الثلاثة الأولى الخصوصية المصرية بوضوح، باستثناء قضية مشتركة واحدة تمثلت في مفردة "الاستعمار" التي وردت في الهدف الأول لثورة سبتمبر، وهي لم ترد فيه اقتباساً أو محاكاة، فالاستعمار كان جاثماً على جزء من أرض اليمن، وبالتالي كان جزءاً من هم متعدد للهدف السبتمبري الأول .. فإذا كان الهدف الأول ليوليو قد حمل الهم الأكبر لمصر حينئذ (الاستعمار) فإن نظيره السبتمبري (نظيره في الترتيب) جاء متميزاً بالقضية المتعددة التي حملها، وهي "التحرر من الاستبداد والاستعمار ومخلفاتهما وإقامة حكم جمهوري عادل وإزالة الفوارق والامتيازات بين الطبقات"، هذا الهدف الذي جسد وحدة القضية اليمنية في التحرر من الاستبداد في الشمال ومن الاستعمار في الجنوب ومن مخلفاتهما السيئة، التي منها تشطير الوطن اليمني، جاء مع بقية النص ليعبر عن شأن يمني بحت. على أن التماثل بين أهداف الثورتين يبرز واضحاً في هدف واحد، هو الهدف الثاني لسبتمبر مع الهدف الرابع ليوليو، فهو في يوليو "إقامة جيش وطني قوي" وهو في سبتمبر "بناء جيش وطني قوي لحماية البلاد وحراسة الثورة ومكاسبها"، والتشابه الكبير بين الهدفين (مع الفارق التراتبي) أمر طبيعي، فبديهي أن الحماية ضرورة لكل ثورة، وكانت الضرورة هي التي اقتضت وجود هذا الهدف ضمن أهداف كل من الثورتين، ووجوده كان أكثر ضرورة وأولوية بالنسبة لثورة سبتمبر .. وقد كان ثوار سبتمبر يتوقعون ردود فعل عنيفة من قبل قوى داخلية وخارجية، وهو ما حدث بالفعل، فكان الجيش الوطني الذي أخذت الثورة ببنائه، هو من تصدى لجحافل وحشود الملكيين والمرتزقة طيلة ثماني سنين.. وشاهد آخر قوي الدلالة على أن الهدف السبتمبري هذا، أملته الضرورة، وهو إن ضباط سبتمبر أثناء إعدادهم لتفجير الثورة، ونتيجة لمخاوفهم وتوقعاتهم المشار إليها، سعوا للحصول على وعد من الرئيس جمال عبد الناصر بتقديم العون العسكري للثورة بعد تفجيرها .. وكان الواعد كريما .. إذ جاء الدعم العسكري من الشقيقة مصر سريعاً ليشكل نجدة حقيقية ساهمت بفعالية إلى جانب الجيش والجماهير اليمنية في التصدي البطولي للقوى المعادية.. فكانت مصر نعم السند والنصير لثورة سبتمبر. وإذا كان الإقطاع وسيطرة رأس المال، اللذان نص الهدفان الثاني والثالث ليوليو على القضاء عليهما، يعكسان شأناً مصرياً محضاً، فإن الهدف الثالث لسبتمبر عكس شأناً يمنياً محضاً تمثل في: "رفع مستوى الشعب اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً وثقافياً" فهو عبر عن حاجة الشعب اليمني إلى رفع مستواه، بسبب ظروف حياته البائسة التي عاشها في ظل حكمي الإمامة والاستعمار وتلبية لمتطلبات حياته العصرية الجديدة .. وإذاً، فلا تشابه بينه وبين أهداف يوليو ..كذلك يأتي الهدف الرابع لسبتمبر: "إنشاء مجتمع ديمقراطي تعاوني عادل مستمداً أنظمته من روح الإسلام الحنيف" .. ومع وضوح الخصوصية السبتمبرية في الهدف، ببنائه ومعناه، إلا أنه انطوى في مضمونه على تماثل ضئيل توحي به مفردتا (ديمقراطي، عادل) مقابل لفظي (عدالة، ديمقراطية) في هدفي يوليو الخامس والسادس، ولكن مع وجود التمايز الكبير .. فالديمقراطية السليمة التي هدفت يوليو إلى إقامتها (الهدف الخامس) ستكون بديلة للديمقراطية التي كانت قائمة قبلها، بينما هدف سبتمبر قضى بإنشاء مجتمع يمني جديد، ذا طبيعة ديمقراطية تعاونية عادلة، فللهدف دلالات تميزه بالنظر إلى الواقع اليمني آنذاك. وتمايز آخر شديد الوضوح، يتمثل في الهدف السبتمبري الخامس "العمل على تحقيق الوحدة الوطنية في نطاق الوحدة العربية الشاملة"، وهذا الهدف يختص بشأن يمني بحت، وقد تحققت -بحمدالله- في العام 1990م. كما لا يوجد أي وجه للشبه بين هدف سبتمبر السادس مع أهداف يوليو، والذي تعلق باحترام مواثيق الأممالمتحدة والمنظمات الدولية .. الخ وهو هدف متفرد. بقي أن نشير إلى تشابه بين الأهداف نسيناه! يتمثل في تساوي العدد بين مجموعتي الأهداف، فهي ستة أهداف لثورة يوليو وستة أهداف لثورة سبتمبر، ولعل في هذا التساوي ما ساعد في تكوين الانطباع موضوع هذه التناولة!