لم يعد هناك شيء له حرمة في هذا الوطن .. فاللصوص هنا يفكرون في سرقة كل شيء وينفِّذون.. هناك من ينهب خيرات البر والبحر.. وهناك من ينهب الأراضي .. وهناك من ينهب المال العام .. وهناك من يخرب ممتلكات الدولة من أجهزة ومحركات ومركبات, بل ومصانع, ويقف دون إعادة صيانتها وتشغيلها لرفد الاقتصاد الوطني .. ومن لم يجد ينهب كابلات الكهرباء ليبيع النحاس بالكيلو, أو يفجر الأبراج ليبيع قطع الحديد, فالمهم في ثقافة اللصوصية أن تفكر بما في نهبه نفع وفائدة وقوة شرائية في سوق الخيانة للوطن والعمالة للخارج والإخلاص للجيب.. ولو وجدوا أن أكفان الموتى قد تدر عليهم المال الوفير لسرقوها.. إنهم أولئك الذين يسرقون الكحل من العين – كما يقال – ولو أُجبرت على أن تصافح أحدهم فبادر بعد مصافحته مباشرةً إلى عد أصابعك, فربما يكون قد سرق واحدة منها, كما يقال أيضًا!!. لهذا فلا تستغرب أن تسمع اليوم عن سرقة ثلاثة مصاحف أثرية وسبعة أسياف من المتحف الوطني بصنعاء, فمن المعلوم أن هناك عصابات تدير سرقة الآثار اليمنية والمتاجرة بها حول العالم, ومن المعلوم أن تراث اليمن منهوب إلا جزءًا يسيرًا مكتوبًا عليه أن يظل حبيس الإهمال والإتلاف في متاحف أو مواقع أثرية, وهذا الجزء اليسير هو الآخر يقع بين الفينة والأخرى في أيدي لصوص الآثار, وأخاف أن تستمر المتاحف في إغلاق أبوابها أمام الزائرين والسياح, حتى إذا عزمت الجهات المسؤولة على فتحها وجدتها فارغة إلا من قطع ليس لها رواج كبير في سوق تهريب الآثار.. ويظل الإعلام والمسؤولون حريصين على تعويضنا نفسيًا وطمأنتنا بأن (اليمن كلها متحف مفتوح)!!. قيل في بعض التصريحات: إن المصاحف والأسياف الأثرية المسروقة ذات قيمة مادية تقدر بخمسة ملايين دولار, ناهيك عن القيمة المعنوية العالية التي لا يمكن أن تقدر بثمن, إذ إن هذه المسروقات تعود إلى عصور إسلامية قديمة, لاسيما أن اليمن تتميز عن غيرها من البلدان العربية باحتفاظها بالمصاحف والرقائق المغرقة في القدم, وهذا يدل دلالة واضحة على أن من يسرق الآثار اليوم يعرف ماذا يسرق .. إنه خبير بقيمة الآثار اليمنية, وتفاوت القطع المعروضة في هذه القيمة, وليس مجرد لص يبحث عن أي شيء ليعتاش منه. لكن كل هذا في كفة, وطبيعة تعامل الجهات المسؤولة عن الحفاظ على الآثار وتنظيم المتاحف في كفة أخرى .. نحن اليوم في القرن الحادي والعشرين ومتاحفنا لا تزال تدار بأساليب تقليدية لا تحقق القدر المطلوب من الحماية الأمنية للآثار, أو صيانتها من التلف .. ولا ندري أين تذهب الميزانيات السنوية والقروض والمنح ومشاريع المنظمات المهتمة بالحفاظ على التراث الإنساني؟ فلا إحصاء وتوثيق علمي وفني لكل القطع الأثرية, ولا أنظمة أمنية وقائية من السرقة في المتاحف من كاميرات وأجهزة إنذار وغير ذلك, ولا التزام بالضوابط الإدارية التي حددتها القوانين, وإنما عشوائية وغموض وإهمال وصد عن التطوير والتنظيم وعن إجراءات الحماية المتطورة للآثار.. وهذا الوضع يشكل بيئة خصبة لنمو مطامع ضعاف النفوس في آثار اليمن ونهبها والمتاجرة بها, وكم هو مخجل أن نسمع مسؤولاً يتحدث عن حدوث حالات سرقة للآثار, ثم تنجح الهيئة العامة للآثار في استعادتها, ولكن يحدث أن تجري سرقتها من جديد وهي لم تغادر بعد مبنى الهيئة!!. خلاصة القول: هذا الوطن تستهدفه عصابات فساد ومخططات عدائية كبيرة تهدف إلى تصفير رصيده الحضاري والثقافي والسياحي والاقتصادي, وبالتالي يضيع عليه طريق المستقبل, بعد أن تم تجريده من ماضيه .. وتذكروا أن الوطن الذي ليس له ماضٍ لن يكون له حاضر.. وثقوا بأن من يسرقون الحاضر والمستقبل هم من يسرقون الماضي. [email protected] رابط المقال على الفيس بوك