منذ أفول نجم الخلافة الإسلامية عام 1924م ، وغيورو الدين يسعون لاستعادة مجد الإسلام الفاتر وسلطته الواهية التي تربصت بها قوى الشر ودكت حصونها ، ونتج عن ذلك دويلات متشرذمة جُردت من خلافتها الحامية لأمنها وعقيدتها وكان البديل المباشر هو الاحتلال بسواعده الأجنبية والعربية . فبرزت بعد ذاك حركات إسلامية تنتوي إعادة تلك الخلافة كونها الخيار الوحيد لتوحيد الأمة الإسلامية وحمايتها من جبروت القوى الاستعمارية . من أولى تلك الحركات ؛ حركة الإخوان المسلمين التي أسست بعد سقوط الخلافة بأربع سنين ، وكان هدفها الواضح هو إعادة تلك الخلافة إلى حياض الأرض العربية والإسلامية ، وتبنت مشاريع تحررية ضد الاستعمار البريطاني في مصر ثم شاركت المجاهدين في فلسطين ضد الاحتلال الصهيوني . بالإضافة إلى اهتمامها بشؤون السياسة والربط بينها وبين الدعوة كقفزة إسلامية هي الأولى من نوعها . وهي من الحركات التي أحدثت تغييراً كبيراً في الدعوة الإسلامية عقب حالة الركود الإسلامي التي جثمت على جسد الأمة ردحاً من الزمن . وهناك أيضاً تنظيم القاعدة ؛ وهو التنظيم الذي نشأ في أواخر الثمانينيات إبان اندحار الغزو السوفياتي على أفغانستان ، وتدخل الولاياتالمتحدة المباشر في شئون الدول العربية ، فكان هدف التنظيم الواضح هو تطهير البلاد العربية والإسلامية من دنس اليهود والنصارى رافعين راية الجهاد المسلح ، اعتقادا منهم بواجبيته في مثل هذه المواطن وإن كان على حساب المسلمين أنفسهم . وهذا التنظيم كان له الدور الأبرز في نقل الإسلام إلى لحظة حرجة من عمره وقلب المعادلة الإسلامية في الاتجاه المعاكس . فكرة الجهاد وتباين تطبيقها ! الجهاد مبدأ ثابت في الإسلام ، يؤمن به مجموع المسلمين ، لكن يظل الخلاف في فهمه وتطبيقه وشروط واجبيته مسألة عويصة لدى الحركات الإسلامية . فحركة الإخوان ، تؤمن بمبدأ الجهاد وهو من الأسس التي بنيت عليها الحركة ، ولكنه يخضع لشروط عدة تمكن من تطبيقه ، وقد طبقته عملياً ضد الاستعمار البريطاني والصهيوني ، كضرورة فرضت عليها في مرحلة محدودة . لكن وبعد زوال الاحتلال البريطاني لم تجد بد تطبيقه وظل مقتصرا في المواطن التي لم تتحرر بعد من الاستعمار كفلسطين . ويشهد لها التاريخ ، وفي أمد عمرها الثمانيني ، أنها لم تسلك إلا طريق النضال السلمي دعوياً وسياسياً وفكرياً ، ودليل ذلك توسعها المطرد والكبير في عشرات دول العالم . أما القاعدة ، ففهمها لمبدأ الجهاد مغاير تماما ، وهي تؤمن به على أنه مبدأ واجب التنفيذ في كل زمان ومكان ، ضد كل من حارب الإسلام كان ذمياً أو محارباً على سواء . لكن أسلوبهم ذاك لم يفت إلا في عضد الإسلام وأهله واستهدافه للمسلمين أكثر من غيرهم وصار مطية القوى المستعمرة لاحتلال البلدان الإسلامية تحت مظلة “الحرب على الإرهاب” فكان بأسلوبه هذا مصدر تشويه للإسلام وإن كانت نوايا بعض من هم عليه تنحو غير ذلك. فكرة الخلافة ! هدف الإخوان الأساس هو استعادة الخلافة الإسلامية ، وليس السعى لإيجاده على النحو الكلاسيكي ، ولكنها تساير الواقع وتراعي محدثات العصر وتسلك طريق النضال السياسي السلمي بغية تحقيقها . أما القاعدة ، فترغب في إعادة الخلافة بمفهومها الراديكالي القديم وبطريقة العنف والسلاح متنكرة ومغفلة التطورات والتغيرات التي تفرض نفسها وواقعها المختلف . الآن ، أعتقد أن بإمكان القارئ أن يحدد ماهية الاختلاف الفكري والعملي بين منهجية وتطبيق القاعدة والإخوان ، وكما لاحظنا أن هناك هوة واسعة بين الحركتين ونقاط التباعد بينهما أطغى من التقارب ، ولكن نتيجة الفهم المغلوط لدى بسطاء الناس وعتو بعض العارفين ومغالطتهم وحرصهم على التضليل قررت إيضاح هذه الملابسات بأسلوبي المتواضع المقتضب . رابط المقال على الفيس بوك