تمنحنا الأحداث الأخيرة في مدينة صعدة، ومدى العنف والقسوة التي ينشرها الحوثي بين سلفيي دماج بل بين اليمنيين جميعا، فرصة لنفهم الحوثي عن قرب ونقيم أفكاره من خلال سلوكه. يجلس الحوثي مشاركا على طاولة الحوار الوطني مع السلفيين، ويتبنى مقترحات تبدو مغموسة بالمدنية اللامنتمية إلى العنف، وتبني العيش المشترك بين كل اليمنيين، لكن سرعان ما يكشف عن نَفسه باستعلاء. تنبأ البعض بأن الحوثي لم يدخل الحوار الوطني إيمانا به، وكخطوة أولى لتركه السلاح واللجوء إلى العنف، بل كان عملا تكتيكيا، وصدقوا ،فبمجرد الإعلان عن المرحلة النهائية للحوار حتى فتح جبهة دمَّاج وأنزل بالسلفيين مقتلة تجاوز أعداد ضحاياها المئات. من منا ليس لديه ثأر ولم يعان الظلم من جماعة أو طرف أو فرد في هذا البلد ؟ لكن ليس أمامنا لتستمر الحياة سوى التسامح كقيمة عليا، والنظر إلى المستقبل وترك الصراعات التي لم تورث لنا سوى الدمار. وقبولنا بالحوار يعني أننا مستعدون للتسامي فوق جراحاتنا لمصلحة الوطن أو على الأقل أننا نتبنى الطرق القانونية في المطالبة بحقوقنا وإنصافنا. ليست هذه هي الغلطة الوحيدة للحوثي، فالحوثي كله أخطاء.. لكنه يستغل مرحلة التصالح التي تتبناها الدولة والأطراف المختلفة والنأي بالنفس عن الاستفزازات لإتاحة الفرصة للحوار الوطني لحل أي مشكلات. وتنفيذ انتقامه ممن يعتقدهم أعداءه. نعم تسكت أجهزة الدولة عن التعدي على مهامها في صعدة، فمليشياته تتولى حفظ الأمن بدلا عن قوات الأمن، ويحل هو محل الدولة في الحساب والعقاب، وفي فرض وجهة النظر الخاصة به.. والدولة تتغاضى من أجل الحوار. مازال لدى الحوثي دبابات استولى عليها منذ الحروب أيام حكم الرئيس السابق ووجهها إلى صدور اليمنيين في دماج. تسكت الدولة عن خطابه البعيد عن كل ما هو وطني وجامع يوجهه شخصيا، ومن خلال وسائل إعلامه، فهو لا يحتفل معنا بالأعياد الوطنية ولا يعترف بها، كما يثير مزيدا من التحريض والعنف، ويستمر في تمجيد الحروب العبثية التي خاضها مع علي صالح. تسكت الدولة عن إثارته للحروب في دماج وحاشد ومعبر والرضمة، يوزع رصاصه على كل المناطق، له في كل اتجاه ثأر، وخطة لإثارة النعرات وتحريك مشاعر الناس على أساس طائفي عصبوي. بل جميعنا نسكت وأخشى أن صمتنا لن تكون نتائجه إلا وبالا علينا وعلى وطننا. فلن نفلح إذا لم نقل للظالم ياظالم. الحوثي ليس صادقا معنا كيمنيين، ويمارس تضليله لنا، بتناقضاته، وتعاليه، وتفضيل مصلحته وجماعته على المصلحة العامة. ولا يترك مجالا لحسن النوايا، فلا الدين ولا العرف ولا القانون منعوه من قتل اليمنيين وإراقة دمِائهم. وهو يؤكد لنا أنه لا يمكن التعويل عليه مالم يثبت العكس ويدخل في مراجعة لفكره المتخلف غير المناسب للزمن في بناء الوطن. لا يمكن لليمنيين أن يسلموا مصيرهم لمن يواصل ادعاءاته بالمظلومية وليس في اليمن أقرب منه إلى الظلم. [email protected] رابط المقال على الفيس بوك