يظلُّ الجدل محتدماً في العالم العربي حول ماهيّة «الربيع العربي» وما هي مصائره، وينبع مثل هذا الجدل المنطقي من النتائج الملموسة التي وصلت إليها بلدان «الربيع العربي» المتمثلة في المزيد من الاحتقانات، والمشفوعة بقدر كبير من اللُّجاج السياسي والخرائب الاقتصادية والاجتماعية. الذين تعاملوا مع الظاهرة بتفاؤلية رومانسية، لم يضعوا في عين الاعتبار قوانين التاريخ ونواميسه العاتية؛ تلك القوانين المُفارقة لوجدانات البشر وآمالهم العريضة بالانعتاق من حال كان، والذهاب إلى وعد جديد عامر بالمسرّات والنماء والعدل؛ ذلك أن للتاريخ قولته ومقولته، وللتاريخ قوانينه الموضوعية ذات الصلة بقوانين الأرض وحكمة السماء، وهي نواميس تجري في مسارها الخاص، غير مُعوِّلةٍ على تقديراتنا وتوقعاتنا وأمانينا، والشاهد أن تلك القوانين تتجسَّد أمامنا عياناً بياناً في الطبيعة المحطية بنا كما في حياتنا اليومية. إذا افترضنا أن هزّة أرضية عاتية دمَّرت مدينة كُبرى من المدن، فما هو المتوقع؛ هل سيستمر الناس في مألوف عاداتهم اليومية، أم أننا سنشاهد ما لم نتخيَّله ونتوقّعه من تصرُّفات جنونية، هل سيخرج من ساحات المدينة وحواريها وملحقاتها المُهمَّشة ملايين الصعاليك، من الذين سيفرحون بزوال الغطاء الأمني والقانوني للدولة ليباشروا أعمال سلب ونهب واعتداءات مكشوفة على العباد والبلاد، وإذا كان مثل هذا الأمر متوقّعاً على مستوى الكوارث الطبيعية استناداً إلى مُدوّنة التاريخ ومعطياته الظاهرة في كل زمان ومكان، فلماذا نستغرب أن يفضي «الربيع العربي» إلى فوضى تستتبع الانقلاب الجذري على ما استتبَّ بقوة الباطل والمصادرة والدولة المركزية العنيدة التي لم ينجُ منها عربي سوى دولة الإمارات العربية المتحدة؛ النموذج الفريد والوحيد للدولة الاتحادية اللا مركزية، التي حقّقت معجزة تنموية وإدارية توازنية غير مألوفة في أرجاء عالم العرب المُبْتلى بالمركزيات الفجّة والأتوقراطيات المغطّاة بأوراق سلوفان الجمهوريات الافتراضية والحاكميات التاريخية القابعة في مربّع ديمومتها المجافية لمنطق التاريخ..؟!. [email protected] رابط المقال على الفيس بوك