بانتظار نتائج الحوار الوطني الشامل لنراها قيد التنفيذ، لتغلق كل الأبواب المؤدية إلى الخلافات والصراع، وأعتقد أن الأوضاع صارت بحاجة ماسة للانفراج لتفادي الأسوأ من مجرد الأزمة والخلافات المحدودة قياساً بما يمكن أن تصير إليه. حقيقة ما حدث وما يحدث هو صراع بدأ حول امتلاك الحقيقة ذاتها، فكل طرف يدعي أنه على الحق المبين في السياسة وفي الحرص على مصلحة البلد والناس.. ودعونا هنا نتجاهل الحسابات الخاصة مؤقتاً، والتي كان لها الدور الأكبر في تعقيد الأوضاع العامة، لنأخذ جانباً عاماً من العلاقات بين الفرقاء وأطراف اللعبة السياسية. كل طرف يقول إنه يمتلك مشروعاً بإمكانه إخراج البلد من محنته، وفي نهاية المطاف أدعى كل طرف أحقيته بالسلطة فتحول الوضع إلى صراع من نوع مختلف وبدأت لعبة المظاهرات والشارع والشارع المضاد. لنتفاءل أن الحوار سيفضي إلى الأخذ بأحسن ما لدى كل طرف، وبالتالي يفترض أن تأتي نتائج الحوار لتجمع خلاصة الآراء لتكون النتيجة المتوقعة في ظل التفاؤل هي الخروج من دائرة الصراع. أهم ما ينبغي أن يخرج به الحوار هو وجود الدولة بشروطها الحقيقية وتجاوز مشاريع الدولة المفصلة بالمقاس على القبيلة أو الحزب. ولابد أن يلاقي هذا الأمر معارضة شديدة من قبل الأطراف التي تفضل أن تكون الدولة على مقاسها ولمصلحتها قبل أن تكون دولة حقيقية والواضح أن هؤلاء قد بدأوا لعبتهم استباقاً لمخرجات الحوار لخلط الأوراق، ومن مظاهر هذا الخلط ما نراه من حروب واختلالات هنا وهناك. تفجير جبهات للصراع المسلح هو في الأساس محاولات للحفاظ على شكل الدولة القبلية والحزبية وصولاً إلى أشكال جديدة بحكم المتغيرات يراد لها أن تسود للمحافظة على المصالح أو للتأسيس لمصالح مستقبلية. أثق بأن هناك الكثيرين من أعضاء مؤتمر الحوار كانوا يدركون جيداً أحابيل الشيطان وألاعيبه، والشيطان ليس فرداً واحداً ولكنه منظومة وإن تشظت أو تنازع أصحابها وصاروا أعداءً للبعض كما يبدو من ظاهر الحال.. لكن ثمة تفاهمات ستبقى عليها المصالح المشتركة والمرتبطة، ومصلحة بقاء هيمنة أولئك على الدولة. الخيار الوحيد هو أن تجد مخرجات الحوار طريقها إلى التنفيذ دون التفاف عليها أو محاولة الإضافة إليها أو الانتقاص منها لمصلحة القوى المهيمنة اقتصادياً وعسكرياً وقبلياً. الحلول المتوقعة والمتوافق عليها سوف تأتي على ما تبقى من مقومات البلد والدولة إذا لم تجد طريقها إلى التنفيذ، ولن يقتنع أحد بعد ذلك بمخرجات حوار قادم تفرضه تطورات الأوضاع وما لم تكن هناك ضمانات لسير الحلول دون تأثيرات جانبية فاعتقد بأن الأوضاع سوف تسلك مسلكاً كارثياً. وإذا خرجت الأوضاع عن السيطرة ستختفي العصي الإقليمية والدولية التي يلوح بها الآن ضد هذا أو ذاك، وإلى أن تعود مرة ثانية سيكون الخراب قد حان والكارثة قد تمت، وهو ما لا يرجوه أحد ولا يتمناه صاحب عقل سوي. آليات التنفيذ يجب أن تبقى بعيدة عن هيمنة أصحاب مشاريع الدولة الخاصة، وهذا هو الضمان الأكبر لنجاح مخرجات الحوار، ولذلك يجب أن تعطل ماكنات مراكز القوى من الآن لتفادي تشكيل دولة بمقاسات خاصة تنتهي بالفشل والكارثة. رابط المقال على الفيس بوك