استهوتنا لعبة الغواية مع البنادق، واقتنعنا أن “المبنطلين” خراب البلاد، وأن القبيلة هم عماد التعمير، تماماً مثلما كان مقتنعاً ذلك القبيلي، الذي خرج من ساحل منتجع العروسة بعدن، ككائن خرافي، وهو يرج رأسه بعنف ويرش القطرات العالقة بشعره الطويل في وجوه مدرسات خرجن مع أطفال الابتدائية إلى حديقة المنتجع.. اقترب من إحداهن وهو يغنّي بسوقية: برّع يا جحافل عدن.. با نبني عدن من جديد!!. كنت أرى المدرسة في شتاء 2001 وقد ضربها إعصار من هذا التعبير، وتقول لصحابتها: سمعتي.. قال با يبني عدن من جديد!!. ذات الوجوه الخرافية تتمدد فوق خارطة الحلم، وتضغط بثقلها فوق المدنية التي تتمخض دخل قاعات مؤتمر الحوار، معتقدةً أنها من سيحدد شكل المستقبل الجديد. تمكنت القبيلة من تقديم أدوار مشرقة ومشرفة في ثورة التغيير، ولم ينتهِ العام حتى سقطت ورقة التوت، وأصبحت القبيلة التي حاصرت معسكرات الحرس الجمهوري، وثبطت القوة العسكرية التي بيد عائلة صالح، عاجزة عن ضبط حفنة مرتزقة يضربون أبراج الكهرباء، ويفجرون أنابيب النفط، ويتقطعون لناقلات الوقود، وكأن الحكاية توزيع أدوار، من أجل الارتزاق، واحد باسم التفجير، وآخر باسم الحماية. بالأمس القريب تقدم أحد أعفاط القبيلة، واقتحم قاعة مؤتمر الحوار، وهدد أمينه العام، بتركيعه بقوة السلاح... هي مقدمات لتركيع الدولة المدنية القادمة، ووأد أي تشريع جاد، لعتق البلاد من عنفوان القبيلة، لأن مشاركتها في “التعمير”.. لم يكن القصد منه غير “تعمير” البنادق في وجوه الشرفاء والصادقين في بناء هذا البلد. الثلاثاء الماضي كانت البلاد على موعد مع فاجع من العيار الثقيل: اختطاف محمد منير أحمد هائل سعيد، والتقطع للحاج عبدالجبار هائل رئيس مجلس إدارة مجموعات هائل سعيد، ورجل الخير المعروف إلا في منطقة سمارة وتعرضه للإهانة ونهب حاجاته، حتى نظارته الطبية لم تسلم من الخطف. هل هي مقدمات تهديدية من المبندقين إزاء المطالبة بالمدنية والفيدرالية... قبل يومين من الحادثة ألقى المحافظ شوقي هائل محاضرة قال فيها: مدنيتي أقوى من سلاح المبندقين.. هل أرادوا الرد عليه بهذه الهمجية... مع وجود ضرورة للاحتمال بوجود طرف ثالث يغذي الفتنة في تعز عقاباً لنهضتها الثورية، وإشعالها للحرية في كثير من المحافظات. ظل العقل الباطن يقاوم فكرة الاعتداء على هذه الأسرة الكريمة، حتى أحال أحد وجهاء تعز شكّي إلى يقين، واتصل يوضح بعض التفاصيل... اختطاف محمد منير من وسط عاصمة الثقافة، فيما تجار السلاح والمخدرات والخمور يحظون بالأمان وتراخيص حمل السلاح، ويتقطع السفلة للحاج عبدالجبار هائل ولا يجرؤ أحد على أن يعترض سيارة قاتل أو مجرم.. أعرف من زمن طويل أن الحاج عبدالجبار يحب السفر براً بين صنعاءوتعز، وينهمك طوال الوقت في قراءة القرآن، والرد على الاتصالات، وهو القادر أن يجتر وراءه كتائب ومعسكرات، لكن تربيته أجبرته على التواضع والبساطة، وأراد المجرمون أن يقولون لنا: لا عزة لمن لا يحمل سلاح، ولا قوة إلا للصولجان. سأورد حكاية أخص بها الحكومة وآل هائل: في أواخر التسعينيات تقدم أحد شيوخ العشائر البلاطجة في الأردن إلى عبدالحميد شومان رئيس مجلس إدارة البنك العربي يطلب منه مبلغاً خرافياً قرضاً دون رهن، فاعتذر شومان، فردّ الشيخ: رجل مثلك قيمته خرطوش “رصاصة” بدينار!!. لم يفعل شومان شيئاً، بل سرب للصحافة خبراً عن اعتزامه نقل إدارة البنك العربي إلى تونس، في اليوم التالي كان الدينار الأردني يهوي في مكانٍ سحيق، البورصة تتراجع إلى حد الانهيار، وتخوّف رأس المال الوطني والمستثمرون من البقاء في الأردن، ومباشرة اتصل الملك الحسين بشومان، يستوضح منه القصة، ولم تمر غير ساعات حتى كانت قوات “الدرك” تسحب “الشيخ” من شواربه. أقول للحكومة وهي الأجدر بالنصيحة: ماذا لو قرّر آل هائل نقل إدارة المجموعة إلى دبي أو ماليزيا.. ماذا سيبقى لنا من الاقتصاد الوطني؟!. [email protected] رابط المقال على الفيس بوك