من بين آلاف الشعراء والأدباء والمبدعين يترك فينا رحيل الشاعر والأديب المنتقل إلى رحمة الله محمد حسين الشرفي ألماً بالغ الأثر وهو الذي تميز عن غيره بكثافة الإيحاء وجمالية التعبير، وسهولة الكلمات.. تفيض كلماته شاعرية، وحيوية.. بجمالية النص ونعومته.. تجود لسانه بشعر وجداني جميل.. ومسرحيات شعرية رفيعة.. كلماته مفعمة بالمحبة والشجن بعذوبة الكلمات ..سحرها ونقائها ..ومذاقها الحلو...يظل الشرفي شاعر القلب والوجدان.. شاعر المرأة والرجل على حد سواء.. وتظل كلماته أكثر قدرة على الولوج إلى سويداء القلب وواحات الوجدان.. أكثر تعبيراً ووصفاً للنقاء والصدق.. شعره مبني بكلمات مرجانية من فسيفساء القلب...من نسيج الروح.. من دموع الورد.. حزماً من موسيقى الروح والقوافي الراقصة من بريق الحب والعشق المتجسد حباً ووعياً ووطناً.. فقد كانت مسرحيته المشهورة “حريق في صنعاء” وقصائد أخرى تصدرت صفحات العديد من المطبوعات سفينة حملتني إلى عالم الكتابات الأدبية وروائع الكلمات المسافرة على صهوة الوجد المطروب بصدى المشاعر والكلمات الناعمة. فكلما قرأت له قصيدة أو عملاً مسرحياً من وحي أشواقه وبنات أفكاره كلما وجدتها مشبعة بالإيحاءات المكثفة بتعبيراتها الفنية.. لما تحمله من صورة شعرية مشبعة بالحنين وبأشواق وأشجان القلب.. بأسلوب «السهل الممتنع والممتنع جداً». فشعره وأعماله الأدبية بتنوعاتها المختلفة مثار اهتمامات النقاد والمبدعين لهذا ودعته الجماهير في مشهد كرنفالي حزين.. وهو الخالد أبداً وأزلاً. فكل شيء آيل للزوال وقابل للموت و الفناء ولكن يظل شعر الشرفي ينضح بالحب والحنان.. بفلسفة القلب والوجدان.. يظل يفوح برائحة الفل.. بعبق العود وشذا العطر، وعبق الحنين لجبال وسهول حجة الأبية. كلماته ناعمة كالندى.. كالنسيم.. وعليها يمتد الوطن اليمني من أقصاه إلى أقصاه.. يحلق في ربوع السعيدة إبداعاً.. لحناً وموسيقى.. مروج خضر يترقرق كالماء.. يسكن هضاب الشوق.. جبال القلب.. هذا هو شاعر الحب والمتعة.. المبدع محمد حسين الشرفي الذي غردت له الطيور وصدحت له الروابي...وهتفت باسمه الطبيعة ..بكاه في رحيله الجميع ..ورددت اسمه الطبيعة.. بكاه الحنين.. والأحجار والأشجار.. السماء والطيور أرتبط الشرفي قبل شعره بالوطن الأرض والإنسان.. فقد كان شعره وما يزال على الرغم من نعومته وملمسه الوردي إلا أنه السلاح الذي جلجل به الشعب الثائر الذي أسقط الطاغية بعد الطاغية بعمامته البيضاء أو بقبعته وبدلته العسكرية. شاهدته بعد رحيله على التلفاز يسرد ذكريات من وحي المعاصرة للبدايات الأولى ولانطلاق المارد اليمني نحو التغيير والتغيير المستمر.. المستمد من وعيه بأهمية التغيير واللحاق بالعالم المتقدم.. كانت ذكرياته متسلسلة ...كثيفة كالسيل الجارف.. تحدث عن الروح الوطنية والثورية الممهدة للثورة والروح التي مصدرها المعاناة الطويلة والأوضاع المأساوية القاسية، والظلم المكثف الممتد عبر المراحل الطويلة المتشح بالسواد والإحباط والاستسلام المخيف... تناول ذلك منذ أن كان في المدرسة العلمية قبل الثورة وانضمامه إلى موكب العاملين في الإذاعة.. وعندما أشرقت شمس الثورة وخرج الشعب عن صمته ومخبأه إلى الشارع ثائراً مبتهجاً بما حققه من انتصار للتاريخ.. وكيف أصبح معبراً عن أشواق القلب وأشجانه شعراً مؤثراً.. مستفيداً من جمالية الطبيعة الساحرة ومظاهر التطور المذهل الذي وجده في بلدان العالم التي ذهب إليها ممثلاً عن الجمهورية الوليدة.. المتمردة حديثاً عن الاستبداد والتوحش الإنساني.. الشرفي نموذجاً رائعاً للمثقف الثائر المتمرد عن الظلم، المدرك لمتطلبات الواقع ...الرجل الذي غرد شعراً ونثراً وفرحاً.. مبشراً بالثورة والتغيير.. بالثورة التي غيرت الواقع وفتحت أعين الشعب على مشارف العصر. كان الشرفي الذي بدأ حياته الأولى في الإذاعة ومع الشعر والكلمة الصادقة أكثر معرفة بطعم الحرية والتغيير.. كان يزف لنا عبر الأثير تباشير الأمل...حينما كان يرسل وابلاً من الكلمات والأكاليل المعطرة.. غير أبه بجبروت الطاغية وقيود الخوف والهلع والظلم كان يبدو واثقاً مزهواً باستمتاعه بطعم الحرية التي صنعها الشعب في ثورة شاملة على جبال وهضاب تطهرت بالدم. الشرفي من شعراء الحب القليلين في الوطن العربي ممن يدلفون إلى قلوبنا دفء الحب والسعادة والسلام.. غنى للمرأة باعتبارها رمزاً للجمال.. للمحبة والعطاء.. للطبيعة الجميلة الرائعة.. للخضرة.. للصفاء.. لكل ما هو جميل ورائع وأصيل بكاه الشعر.. وبكته القصيدة...أدمع الأقلام والكلمات الصادقة البهية المعبرة عن فلسفة الذات والمشاعر الجميلة...بكاه الشعب...من أقصاه إلى أقصاه...وذرفت الدموع من كل صوب حزناً عليه...أكثر من نصف قرن قضاها في تصوير اللحظات التعبيرية الجميلة.. في تصوير الألم والأوجاع والبحث عن مناقب الجمال...والدفاع عن المظلومين والمنسيين، والمستبعدين...كان مبدعاً حقاً ..يتمتع بسحر الكلمات ودفئها. تميز أدبه بالأدب الرفيع.. حيث امتزج عنده الهم الثقافي بالهم السياسي وكلاهما من الهم الدبلوماسي ولكن ظل الهم الأدبي عنده يتطور، وينمو ويتجدد أصبح له أسلوبه الخاص، وأدبه الخاص وأسلوبه المتميز، ولكنه بمضمون ثوري ..,وطني ..جمالي.. حيث أصبحت القصيدة والقصيدة الممسرحة لديه تحمل فكرة الحرية والتغيير...الواضح فكراً وثقافة وسياسة...منحازاً للتحديث والتجديد والتغيير السياسي...المتفائل مع الهم الوطني العام. فالتراكم المعرفي الكمي لديه تحول إلى كم نوعي وأصبح مدرسة أدبية متميزة ومعروفاً في عالم الإبداع وطنياً وإقليمياً ..مجدداً ومبدعاً، ومرجعاً أدبياً ..يمتلك فلسفة أدبية وشعرية وجمالية خاصة. وكنت أنا على الدوام أجد ضالتي في مسرحيته الشعرية الجميلة «حريق في صنعاء» طالما قرأتها كثيراً لأجد لوحة جميلة مكتنزة بالجمال...ومشهداً سياسياً متكاملاً تجسد طبيعة الصراع السياسي على الحكم ..وهيمنته الثقافية التقليدية الممانعة للتغيير. كان الشرفي منفتحاً على الدوام ....يحترم ثقافة الآخر ورأي الآخر وفكر الآخر منتهجاً له أسلوباً خاصاً. غادر محمد الشرفي على عجالة.. ورسالته في التغيير لم تنته ولم يطمئن لما تحقق...غادرنا وترك لنا تراثاً إنسانياً جميلاً.. وسيرة غنية جميلة وكل ما هو جميل ونافع وخالد ورائد. تغمد الله الفقيد برحمته وألهم أهلة وذويه الصبر والسلوان وأسكنه فسيح جناته إنا لله وإنا إليه راجعون. رابط المقال على الفيس بوك