تاريخ الزعماء والرؤساء حافل بالتناقضات.. و الغرائب.. و العجائب.. بل مملوء بالصراعات النفسية والفكرية والوجدانية.. فبعض الزعماء الذين سادوا وبادوا كان لديهم عقد نفسية.. اجتماعية رغم انهم كانوا يمثلون قمة الوفاء والوطنية.. ولكن وفاء المصلحة الذاتية و الأسرية.. ووطنية الذات والذوات.. وهذا ما كشفت عنه الأيام و السنون التي حكموا فيها أوطانهم.. هناك زعامات ورقية أو ظاهرة صوتية يدغدغون مشاعر ووجدان شعوبهم بمعسول الكلام، والخطابات الجوفاء.. وهم يعلمون علم اليقين بأنهم غير مؤمنين بما يقولون.. مصداقاً لقوله تعالى: «يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون كبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون».. صورة الصف.. الآية (1)، (2).. ويعلمون كذلك انهم يخدعون الجماهير.. رغم أن الجماهير يصفقون ويهتفون لهم من أعماق قلوبهم.. وبحماس شديد.. لأن بعض الشعوب المغلوبة على أمرها تصفق بعواطفها لا بعقولها.. ومن الزعامات الهلامية التي استمرأت حياة الاستبداد وحب الأنا.. وفرضت على شعبها أن تعيش حياة مكبلة بالأغلال.. ومكممةً بالترهيب و التهديد.. وكل من يعارض ذلك مصيره السجن والإقصاء والنفي.. هذه سياسة تلك الزعامات الجوفاء التي انحرفت عن رسالتها الأساسية لتحقيق أهداف شخصية و مصالح ذاتية.. ولكل زمان دولة.. ورجال و زعماء شرفاء.. وجاء عصر وزمان الرئيس عبدربه منصور هادي في مرحلة عصيبة ومعقدة يمر بها الوطن رغم الأزمات المتتالية من هنا ومن هناك.. ورغم انه مقل في خطاباته مع الجماهير إلا أنه يعمل في صمتٍ.. و نكران ذات.. فاستطاع بحنكته وقيادته العسكرية الفذة مواجهة كافة التحديات والأزمات بكل روية وهدوء.. ودبلوماسية هادئة أغاظت الأصدقاء قبل الأعداء.. والأشقاء قبل الفرقاء.. كان عندما يخاطب الجماهير لا تصفق له.. لأنه يخاطب عقولهم قبل عواطفهم عكس الزعماء الآخرين.. أما الذين يحلمون بالزمن الناعم.. و السويعات الناعمة.. قد ولّى زمنهم.. وغربت شمسهم إلى الأبد.. وأصبحوا خارج دائرة الزمن الفاعل.. كم هو مؤسف ومحزن للغاية أن نجد أناساً ينتمون إلى هذه التربة اليعربية.. الأصيلة الحضارة والتاريخ والتراث.. يتنكرون لها بل ويدمرون كل شيء جميل فيها.. حقداً وكراهيةً وانتقاماً- لأنهم فقدوا زمنهم الناعم.. فلجأوا إلى التدمير والتخريب وهدم المعبد على رؤوس الجميع انتقاماً منهم لشعوبهم ولماضيهم التليد.. وعندما شعروا بأنهم خاسرون لامحالة.. بدأوا يشعلون الحرائق والنيران هنا وهناك.. تارةً باسم القوى الوطنية المحايدة.. وتارة أخرى باسم شرفاء الوطن.. ولكن من خلف الدهاليز المظلمة يمارسون أساليبهم الدنيئة.. وأفعالهم التآمرية على الوطن أرضاً وإنساناً ووحدةً وهويةً.. لأن في قلوبهم مرض السلطة.. و داء العظمة.. رغم أنهم يدركون حقاً أن عقارب ساعات الزمن الناعمة التي كانوا يتمرغون فيها لن تعود إلى الوراء أبداً.. لاشك أن الشرفاء من القوى الوطنية والقيادات السياسية والدينية والاجتماعية في هذا الوطن هم قليلون جداً في زمن المحن والأزمات.. و للأسف أن النفوس المأزومة.. وفاسدي الضمائر.. هم من يتحدثون اليوم باسم الديمقراطية.. والحرية و العدالة وحقوق الإنسان و المرأة.. وهم أول من داسوا عليها بأقدامهم وأحذيتهم.. عندما سادوا وحكموا و استبدوا..!! والآن يرفعون شعارات تقسيم الوطن إلى كنتونات طائفية.. ويدّعون بأنهم هم الذين ناضلوا وكافحوا ونافحوا من اجل الدفاع عن الثورة والوحدة.. أية مفارقات تلك.. وأية تناقضات تلك..؟!.. لقد اندثر عهد الجوقة والحاشية المقربة الذين كانوا يجيدون العزف على أوتار أسيادهم بعد أن باتوا يفترشون أجساد شعوبهم.. ويلتحفون دماءهم.. متجاهلين أن الأيام دول بين الناس.. و أن سواد الليل مهما طال لابد له من فجر ساطع.. بالأمس القريب رفعوا شعارات الموت لأعداء الديمقراطية.. واليوم داسوا عليها بأقدامهم ظناً منهم أن التاريخ تلاشى مع دوران عقارب الزمن.. وجهلوا أن الديمقراطية هي تأصيل حرية الفرد، و تفجير قدراته الإبداعية.. والفكرية والثقافية المتسقة مع احتياجات المجتمع الحضاري.. والمتناغمة مع طموحاته وآماله و تطلعاته.. أما دون ذلك ستظل ديمقراطية مشوهةً معاقة.. تصادر حريات الآخرين باسم القوانين الصادرة من قيادات ديكتاتورية مستبدة.. لذا لكي نكون حضاريين ينبغي أن نتجرد عن ثقافة الانتقاص للآخرين.. وسياسة الإقصاء.. وتهميش أدوار المبدعين.. فالسلوك الديمقراطي الحضاري الحقيقي هو الذي يتقبل كافة الآراء والأفكار مهما تباينت دون تنافر أو تناحر.. ولكن هناك من يسيئون إلى الديمقراطية بسلوكياتهم المنحرفة.. وممارساتهم اللا أخلاقية.. إلى هنا يكفي نفاق ومداهنة باسم الديمقراطية التي ذبحت نهاراً جهاراً في ساحات الاعتصام والحرية والعدالة.. عندما قالت الشعوب: لا للظلم.. لا للفساد.. لا للإستبداد.. فالشعب دائماً هو صاحب القرار الأخير.. وهو الذي يدفع الثمن الباهظ من أجل حريته وكرامته وعزته.. أما الطواغيت و الفراعين مهما طال ليلهم لابد لهم من زوال واندثار.. وعاقبتهم دائماً أليمة ووخيمة في الدنيا والآخرة..!! أما الزعامات الورقية سرعان ما تتساقط كأوراق الشجر في فصل الشتاء القارس..!!