يقال: «الوعاء الفارغ يصدر ضجيجاً»، وأعتقد أن هذه المقولة تتطابق إلى حد كبير مع حالة اللامنطقية الحجمية التي نتعامل بها مع إنجازاتنا، سواء على المستوى الفردي أو المؤسسي، فتضخيم المنجزات وإعطاؤها حجماً أكبر مما تستحق أحد أكبر أخطائنا.. فاختتام دورة تدريبية في مجال التنمية البشرية مدتها لا تتجاوز أسبوعاً أو أسبوعين هو منجز عظيم يستحق الاحتفال به في إحدى الحدائق العامة، وارتداء ملابس التخرج، وإحضار فرقة موسيقية لإحياء الحفل، ودعوة عدد من الشخصيات والوجاهات لوسم الحدث بالأهمية، مع ما يرافق ذلك من تكاليف مادية وعليه، فالتخرج من المرحلة الثانوية – بكل ما يصاحب اختباراتها من وسائل غش لامحدودة - بالتأكيد إنجاز جبار يستحق إقامة الاحتفالات الكبيرة والمكلّفة، ناهيك عن احتفالات التخرج الجامعية التي لا أظن أن لها مثيلاً في العالم، حيث أنها مميزة بنكهة العشوائية والعبثية اليمنية، ففي كل جامعات الدنيا تحتفل الجامعة بخريجيها بعد اختتام الاختبارات النهائية، وتبين نتائج الطلاب، ويتم الإعداد لذلك الحفل بشكل منهجي ونوعي، وبما يتلاءم مع قداسة وعظمة العلم. أما في جامعاتنا اليمنية العريقة فتتحول هذه المناسبة إلى حفل فني صاخب، تُجلب فيه مكبرات الصوت، وتُمارس فيه سلوكيات لا تليق بحرمة الجامعة كمكان لطلب العلم، والغريب أن هذه الاحتفالات تقام داخل قاعات الجامعة وفي أثناء تلقي طلاب آخرين محاضراتهم، فكل قسم من أقسام الجامعة يحتفل بتخرج طلابه بفعالية خاصة به، لتتحول قاعات الجامعة في شهري 5 و6 من كل عام إلى مسارح لاحتفالات غير منطقية. أما الجامعات الأهلية فحدّث ولا حرج عن المهازل التي تحدث فيها، حتى وصل الأمر بالطالب إلى أن يقيم حفل عيد ميلاده داخل حرم الجامعة، بكل ما تعنيه كلمة حفل، من تواجد للفرقة الموسيقية، ودعوة الزملاء والزميلات للمشاركة في إطفاء الشموع وسخافات أخرى تنم عن مدى الاستهتار وعدم الاحترام للمكان أو لروّاده من طلبة وأساتذة ودكاترة. في الحقيقة أنا لا أحاول هنا تقزيم مثل تلك الإنجازات، ولا أنتقد الاحتفال بها، ولكني أزعم بأن لكل مقامٍ مقال، وما يعتبر مقبولاً ولائقاً في مناسبة من المناسبات، لا يعد لائقاً في مناسبة أخرى، وما يليق بمكان ما، ليس لائقاً بالضرورة في مكان آخر. وللأسف فإن الواقع يشهد أن مخرجات هذه البرامج التعليمية المختلفة – دراسية أو تدريبية أو أكاديمية - تأتي هزيلة جوفاء لا تتناسب مع حجم الضجيج المرافق لتخرّجها..!