أن التعصب الديني المذهبي لبعض المسلمين و تكفير وتبديع وتفسيق بعضهم البعض و دخولهم في صراعات مذهبية لم تشهدها بتاتا الأمة الإسلامية سواء كانت في العصور السابقة ولا حتى في تاريخنا الإسلامي يعد إحدى أول وأهم الأهداف التي تخدم أعداء الإسلام والمسلمين. ففي قراءتي هذه المرة وبعيداً عن أزقة السياسة لبعض البحوثات في علوم الدين والشريعة ولعل كان إحداها بعنوان بدعة تفرقة الأمة إلى شيعة وسنة وتلخيصي لهذا البحث القيّم والذي اخترت أن يكون هذا المقال بنفس اسم البحث والذي يشير إلى أن العديد من العلماء والفقهاء والمجتهدين تجنبوا الخوض في علم الكلام واقتصرت بحوثاتهم ودراساتهم وتفقههم على جمع السنة والتفرغ للمسائل الفقهية وهؤلاء الذين استطعنا حينها أن نطلق عليهم أهل السنة وذلك بسبب انفصال الشيعة وغيرها من الفرق ككيان خاص في عام 41 هجرية وهو ما سمي بعام الجماعة، وبالتالي لم يكن هناك فرقة تسمى أهل السنة لها بداية معينة أو نشأة خاصة إلا بافتراق غيرها عنها، فاتضحت وظهرت مراسمها وأصولها. أما الشيعة الذين يوالون عليا كرم الله وجهه ، ويكرمون آل البيت، ويحصرون الخلافة أو الإمامة في علي وذرية علي رضي الله عنه من فاطمة رضي الله عنها نشأوا في منتصف القرن الأول، وإن كان البعض يرى أن البذرة الأولى للتشيع ظهرت يوم وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، وما حصل بعد ذلك من مغالاة وإطراء وغلو من بعض الفرق كالخطابية، إلا أن المعتدلين منهم بقوا على مر الزمان واستمر طريقهم إلى اليوم، فأشهر هذه الفرق المعتدلة إلى الآن: هم الزيدية والإمامية. فعلماء السنة وعلماء الشيعة لم يكونوا قديما في معزل بعضهم عن بعض، وإنما كانوا في تلاقي وارتباط وتبادل للمعارف ومناقشة للآراء وقد حدثت العديد من المناظرات بينهم وكانوا يقروا كل منهم للآخر بعلمه وورعه وتقواه ودليلا على ذلك عندما التقى أبو حنيفة برؤوس آل البيت منهم زيد بن علي جعفر الصادق محمد الباقر يناقشهم ويوقرهم ويعترف بفضلهم على العلم وهكذا كان اللقاء والتواد بين العلماء الأوائل دون تكفير أو تبديع أو تفسيق، بل احترام وتوقير وليس كما يحدث هذه الأيام من أعمال تقشعر لها الأبدان، كون هؤلاء العلماء يستندون إلى أدلة من الشرع ، ولم يكن كلامهم بهوى من النفس. وكل مجتهد يعتقد بصواب رأيه الذي وصل إليه، وخطأ رأي غيره، فهذا هو المنطقي، ولكنه يعطي نسبة من الاحتمال لغيره أن يكون على صواب، ويعطي احتمالا لنفسه أن يكون على خطأ. فهذه كلمة مشهورة للشافعي يقول فيها: رأيي صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب وقد كان علماء السنة وعلماء الشيعة على مر العصور يعيشون مترابطين متكاتفين، وكذلك كان الناس وعوامهم ، إلا هؤلاء الذين يتربصون بالأمة شراً، ويوالون أعداء الإسلام. فعلى مر العصور وجدنا في تاريخنا الإسلامي، وفي تراثنا، مفسرين من السنة والشيعة، وفقهاء ومحدثين ومفكرين وقفوا بجوار بعضهم، ولم يكونوا أحزابا متفرقين، بل كان يجمعهم الإسلام والتوحيد والقبلة. فهذه مسلمات في شريعتنا تجعلنا نتواصل بعضنا مع بعض ما دمنا داخل دائرة الإيمان، فلا يخرج من هذه الدائرة من أقر بالشهادتين، وكان من أهل القبلة إلا بإنكار شيء معلوم من الدين بالضرورة، أو إنكار شيء مما دخل به في الإسلام. نتمنى من العلماء مواجهه هذه التفرقة وإرجاء كل قضية إلى أصلها ودليلها، وإرجاع الآراء إلى أساسها، وتحديد الأمور تحديدا دقيقاً، وبيان ما هو أصل مما هو فرع، وما هو أساس مما هو بناء، وما يستطيع أن يعيش به الإنسان مما لا يستطيع أن يعيش به، وما يدخل في العقائد، وما يدخل في الفروع. ويجب تأصيل وتعميق المفاهيم وتحديدها تحديدا دقيقا لا لبس ولا شبهة فيها. كما ينبغي عليهم عدم الجري وراء كل ما كتب في التراث دون تحقيق وتدقيق وبحث وتنقيب، حتى لا يقعوا فيما يقع فيه عوام الناس من مسائل دخيلة وآراء غريبة على عقيدتنا وعلى شريعتنا وعلى ديننا. كما ينبغي على العلماء ترك التعصب لرأي، فقد يصل العالم أو المجتهد إلى رأي في مسألة أو قضية يخالف ما عليه مجتهدون آخرون ولكن عليه أن يسامح في القدر المعفو عنه، لا يسامح في الشرك، ولا يسامح فيما يخرج عن الملة، ولكن يسامح فيما هو أدنى من ذلك من الأمور الفرعية المختلف فيها و ينبغي على العلماء أيضاً أن يعلنوا أن الآراء الشاذة تخالف العقل والنقل، وأن هذه الآراء وإن كان لها مكان في الكتب، إلا أنها ليست لها مكان في القلوب، وليست لها قوة عند التحقيق. فكثير من الآراء التي نسبت للشيعة لم تتحقق نسبتها إلى أئمتهم، فأئمة الشيعة لا يرضون بلعن أحد من الصحابة أو من الخلفاء الراشدين، وإنما أنكروا ذلك. وينبغي على الناس أن لا يستندوا باللجوء في الاستماع أو الفتوى إلى غير المتخصصين ممن قرأوا ثم عملوا بالدعوة، فهذا لا يكفي، لأن الداعية والعالم لابد أن تكون له مؤهلات أسست عنده قواعد ينطلق منها.